Friday, 03 June 2005
هو مش النهاردة الاستفتاء؟ - أمنية طلعت
في دولة الإمارات العربية المتحدة تتنوع طبائع المصريين الذين قدموا للعمل هنا، فمازال هناك النموذج الذي حضر بغية التقطير على نفسه من أجل توفير نقود يحقق بها أحلامه في مصر مثل الزواج وتأسيس منزل وشراء سيارة وما إلى ذلك من المتطلبات الحياتية التي من المفترض أن لا يهاجر من أجلها الانسان ويترك وطنه، لكن واقع أمر بلدنا يفرض عليه ذلك ، وهناك من حضر هربا من مصر لأي سبب من الأسباب وهذه النوعية من المصريين تعيش حياتها بشكل طبيعي ولا تفكر في التوفير لأنها من الأساس لا تفكر في العودة ولا تحتمل فكرة أن تعود ، والحقيقة أن الأسباب تتباين لدى كل واحد منهم حيث لم يفروا من مصر لنفس السبب فمنهم من لديهم أسباب خاصة ومنهم من لديهم أسباب عامة ، المهم أن جميع المصريين في الإما رات من الطبيعي انهم يتبعون السفارة المصرية والتي من المفترض انها ترعى مصالحنا داخل دولة الامارات لكن الحقيقة هي أننا جميعا وبلا استثناء لا نعلم شيئا عن السفارة ومن زارنا منها فقد زارها إما لتجديد جواز السفر أو إضافة الأبناء المولودين حديثا أو لعمل توكيل لأحد الأهل في مصر وكل هذه الإجراءات نقوم بها ونحن متأففين حيث تواجهنا بيروقراطية الإدارة المصرية التي نسيناها في جنة الإمارات التي تتم فيها الاجراءات الحكومية بالبريد الاليكتروني والتليفون ولا تضطر للوقوف دقيقة أمام شباك موظف لانهاء اجراء إداري واحد بدءا من دفع فاتورة الكهرباء وحتى تجديد الاقامة، كذلك تواجهنا السفارة بكم النقود المطلوبة منا نظير الاجراء الرسمي الواحد حيث أنك مثلا لو قمت بعمل توكيل رسمي لأحد أقاربك في مصر تدفع نظيره مبلغا مضاعفا اربع مرات على الأقل عن الذي من الممكن أن تدفعه نظير نفس الخدمة على أرض مصر نفسها...ومع ذلك لم يعترض أي منا لأننا نفهم الفكرة التي قامت عليها تحديد هذه المبالغ وهي أننا نعمل في الخليج ويمتلك كل واحد منا بئر بترول يحمله على أكتافه أينما ذهب.
في الحقيقة كل ما سبق كان تمهيدا لما سوف أقصه الآن، فأنا والحمد لله أنتمي للفئة الثانية من المصريين أي فئة الهاربين من مصر وللتوضيح أنا وكل الفئة التي أنتمي إليها لم نهرب لأسباب أمنية أو سياسية وإنما لأسباب لا مجال لسردها الآن....هذه الفئة أيضا والتي تتكون من خيرة الشباب المصري المتعلم جيدا والمثقف غالبا ما تعيش في حسرة دائمة لأنها لا تساهم في بناء بلدها وأنها اضطرت عندما أصبحت جاهزة للعطاء أن تهاجر لأنها لم تجد أمامها سوى خيار من اثنين إما أن تبيع نفسها وضميرها أو تهاجر فقررت الهجرة، وعندما يتجمع بعض من هذه الفئة يتناقشون معظم الوقت في أحوال مصر والأحداث التي تجري فيها، منذ شهر تقريبا عندما بدأت وقائع التعديل الدستوري العظيم (المادة 76) ازدادت حمى المناقشات والمتابعة اليومية لما يحدث في مصر من صراع بين المعارضة وحركة كفاية وبين الحكومة الممثلة في هيئاتها وحزبها الوطني وقررت شلة من الأصدقاء التابعين لتلك الفئة أن يكون لهم دورا ما أيا كان شكله ...بعد مناقشات مطولة عن الذي يمكن أن نفعله ذكر لنا صديق يعمل محاميا أن الدستور يكفل للمصريين الذي يعيشون في الخارج أن يشاركوا في أي نوع من الاقتراعات سواء كان إنتخابات أو استفتاءات ففرحنا جميعا وقررنا الذهاب للسفارة والسؤال عن الأمر وتطوع واحد من الأصدقاء أن يذهب للسؤال ....بالطبع ضل الطريق للسفارة كثيرا حتى وصل إليها في النهاية(عذرا فغالبنا لا يعرف أين تقع السفارة ولا ما هو اسم السفير) ..دخل صديقنا وهو يعمل مديرا لقسم تكنولوجيا المعلومات بأحد الشركات هنا في الإمارات، وتوجه نحو أحد الموظفين الجالسين وراء القضبان الحديدي بينما تطرق إلى أذنه حديثا جانبيا بين اثنين من موظفات السفارة (لا ما هو لو ما دفعش المهر اللي احنا عاوزينه لا يمكن نديه بنتنا) ضحك محبطا وقال( يا الله حتى هنا) ثم أكمل مسيرته نحو الموظف المحبوس كفأر وراء القضبان الحديدية وسأله:
هيه الطريقة اللي بيتم بيها الانتخاب هنا في السفارة إزاي؟
ينظر الموظف إلى الفراغ وعينيه ذائغتان في ملكوت الله ثم يجيب بتعجب واندهاش: انتخاب ؟.... انتخاب ايه يا استاذ؟
الصديق: انتخابات ترشيح رئيس الجمهورية؟
الموظف: انتخاب رئيس جمهورية؟ رئيس جمهورية ايه؟
الصديق: رئيس جمهورية مصر
الموظف: ما حسني مبارك هو الريس يا ابني ...انتخاب ايه بقى؟
الصديق: الله انت ما سمعتش عن تعديل المادة 76
الموظف: 76 ايه يا ابني بس ...انت عايز ايه بالظبط؟
الصديق: ابدا باسأل هو احنا المصريين في الإمارات مش لينا حق نشارك في الانتخابات من خلال السفارة؟
الموظف: لا يا حبيبي مفيش حاجة زي كدة في الدنيا كلها.
عاد صديقنا متشككا من المعلومة التي ساقها الينا صديقنا المحامي فاتصل به وسأله إن كان متأكدا من المعلومة فاكد له المحامي أنها معلومة صحيحة مائة في المائة وأن هذا القانون موجود في كل بلاد العالم وأن معظم رعايا الدول الاوربية والآسيوية في الإمارات تمارس حقها الدستوري في الانتخاب من خلال سفاراتها، ثم ضحك المحامي وقال ( أنا كنت متأكد إنهم هيقولولك كدة).
بالطبع بعدما سرد علينا صديقنا وقائع ما حدث له في السفارة المصرية الغراء شعرنا بالضيق لكننا في نفس الوقت غرقنا في ضحك هستيري لما سمعناه من حوار دار بينه وبين الموظف وما سمعه من حوار جانبي بين الموظفتين.....مرت الأيام ووقعت أحداث الصراع العنيف بين الحكومة والمعارضة على الاستفتاء على التعديل الدستوري وكنا نعيش وقائع هذا الصراع لحظة بلحظة عبر الإنترنت والقنوات الإخبارية الفضائية والمقالات المنشورة في الجرائد وبداخلنا رغبة عميقة في المشاركة بأي شكل من الأشكال في هذا الاستفتاء إما بإعلان المقاطعة له أو المشاركة فيه بنعم أو لا، لكننا كنا عاجزين ولم نجد أي شئ لنفعله غير الجلوس تاركين صدورونا تغلي من وطأة الاحساس بالعجز أمام رغبتنا المحمومة في المشاركة في تغيير شيئا ما في بلدنا فنحن رغم هروبنا منها نذوب عشقا لها، الحقيقة كلنا تصرف بطريقته فأنا مثلا أخذت أتصل بأصدقائي المشاركين في المقاطعة وأحاول بقدر الإمكان الشد من أزرهم أما صديقنا مدير تكنولوجيا المعلومات فقرر أن يعيد المحاولة مرة أخرى مع السفارة فاتصل بها وبعد فترة طويلة من رنين التليفون اجابه صوت ناعس متململ فسأله بطرافته المعهودة حيث أن صديقنا هذا يتصف بخفة دم رائعة :
ها نيجي امتى
الموظف: تيجوا ؟...انتم مين اللي تيجوا؟
الصديق: احنا يا جدع..المصريين
الموظف: وتيجوا ليه؟
الصديق: الله مش انهاردة الاستفتاء
الموظف: استفتاء ايه؟
الصديق : الاستفتاء على تعديل المادة 76
الموظف: 67 ايه يا ابني و80 ايه انت بتقول ايه
الصديق: الله مش مفروض ان من حقنا اننا نقول راينا في الاستفتاء؟
ويبدو أن الموظف وقع في حيرة شديدة فقال لصديقنا : طيب استنى كدة أما أسال
وسمع صديقنا الموظف وهو يقول: يا محمد هو فيه استفتاء انهاردة
فجاء صوت المدعو محمد من بعيد وقال له: استفتاء ايه يا عم انت انت بتخرف؟
الموظف: يعني مفيش حاجة بالشكل ده
محمد: لا طبعا
فعاد الموظف إلى صديقنا وقال له: لا واللهي ماعندناش حاجة بالشكل ده
الصديق: يعني مفيش منه خالص في اي حتة؟
الموظف : لا واللهي يا حبيبي مفيش.
الصديق: طيب أسال في سفارة تانية بقى
الموظف: أنا باقول كدة برضه ..شوف وربنا يوفقك.
وهكذا انتهت تجربة صديقنا الديمقراطية مع السفارة المصرية حيث ظل يضحك ويبكي في آن واحد منذ يوم خمسة وعشرين مايو الأسود وحتى الآن ولم نعد نعرف ماذا نفعل له كي يعود لحالته الطبيعية خاصة وأنه أصبح مقيما في البار ليشرب حتى ينسى والمصيبة أنه لم ينس حتى الآن ولم نعد نعرف ما الذي يمكن فعله له حتى يعود لبيته وأبنائه وعمله .
فهل من حل لإنقاذ صديقنا الذي هرب من مصر حتى لا يجن فجاءت وراؤه هنا لتصيبه بالجنون؟
22:55 | Permalink | Comments (2)
Comments
أمنية اهو ده الهم اللي يضحك و يبكي في آن واحد
أي مواطن في أي دوله بيكون له الحق في المشاركة حتى و هو خارج بلده ,بس متزعلوش يا شباب مصر و انتو بعيد أنتو معانا برضة وأكيد لازم حيكون لكم دور
و مش عوزة أقولك أن إحنا كمان بنشعر بغربة في بلدنا عشان بلدنا مسروقة و منهوبة و بقيت عزبة لمبارك و حاشيته و أدينا بنحاول و بنأوح لحد ما نرجعها و نرجع نحس أنها بلدنا و حسبي الله ونعم الوكيل
Posted by: شاهيناز عبد السلام | Monday, 06 June 2005
يا شاهيناز انا سبت مصر في آخر عام 2000 لأني شعرت بغربة قاتلة داخلها
لن أكذب شعرت بكره شديد لها ولشوارعها وحتى لناسها
كنت أواجه كل يوم صراع مخيف من اجل البقاء حية، وصلت لدرجة انهم كرهوني حتى في ولادي
صعب احكيلك على اللي حصل لي في الشغل لأن المساحة مش هاتقضي بس كفاية اقولك اني اتعاقبت على تميزي ولأني حصلت على الجائزة الاولى في التفوق الصحفي من نقابة الصحفيين ، اتعاقبت لأني موهوبة وباكتب ادب وبيتنشر لي في الدوريات الأدبية اتعاقبت لأن لي موقف واتجاه سياسي وكان بيتقالي في وشي وكأنها شتيمة امشي يا شيوعية انت واللي زيك
مع اني لست شيوعية مع احترامي لكل الشيوعيين طبعا
لمجرد اني كان ليه نشاط سياسي ورأي وكنت دايما اتكلم عن حقوق الفقرا والطبقات الدنيا في مصر لمجرد إني كنت معلقة صورة جيفارا على مكتبي
لمجرد اني كنت بارفض ابيع دماغي لرئيستي في العمل واعيش تابع ليها وللي زيها
كنت متحاصرة في كل مكان وكنت الحدوتة اليومية لزملائي والمادة المتاحة للسخرية وقلة الأدب
طبعا ده كان بيحصل في جريدة قومية لا داعي لذكر اسمها
يااااااااااااااااه
دي كانت ايام سودا
لقد استطاعوا ان ينزعوا روحي ولم استردها الا بالبعد عن مصر
لكن بمجرد ان ابتعدت عنها اشتقت لها وبكيت على افتقادي لها ولأهلي وناسي
اتاحت لي الغربة ان اجلس مع نفسي التي ضاعت مني في متاهات مصر وعدت احب اهلي المصريين من جديد والتمس لهم الأعذار
الناس تعبت تعبت من السلطة وكلابها اللي منتشرين في كل مكان
يا شاهيناز انا باحلم باليوم اللي ترجع لنا بلدنا فيه لأنها بتاعتنا مش بتاعتهم
قولي يا رب
Posted by: omneya talaat | Saturday, 11 June 2005
The comments are closed.