Friday, 15 April 2005
المصافحة وسلام الخرفان - أمير أوغلو - الدنمارك
هكذا كان حال العشاق وهكذا صار حال الرؤساء في هذا الزمان، فالنفاق أجبرهم على تغطية العلاقات فيما بينهم، والشعارات القومية التالفة والتي هي مصدر حياتهم وسبب وجودهم لابد من خرقها واستبدالها شيئا فشيئا حتى لا تصاب الشعوب الغبية بالصدمة، خاصة الحزبيين الذين تربوا على هذه الشعارات الجوفاء والذين رضعوا لبانها مع حليب أمهاتهم والذين لا يعرفون في حياتهم إلا الوالد وابنه ولم يسمعوا رأيا مخالفا في حياتهم كلها، وحتى لو سمعوا ظنوه قادما من إسرائيل أو من أمريكا، أو من أعداء الأمة والخونة الذين يشكلون باقي الشعب السوري، فهؤلاء الحزبيون قسمان : المغفلون الذين لا يعرفون فعلا حقيقة النظام والذين غُسلت أدمغتهم وعقولهم منذ ولادتهم والذين يركبهم النظام إلى أهدافه ويحرث عليهم الأرض التي يغتني منها. والقسم الآخر هم المنتفعون الذين يعرفون الحقيقة ولكن مصالحهم تقتضي مسايرة التيار والسكوت على جرائمه وعقائده وطريقة خداعه للجماهير ابتغاء المزيد من المال والجاه والمناصب والمكاسب.
من يظن أن سلام الأسد على موشيه هو مجرد صدفة عليه أن ينتظر ما تخبئه الأيام القادمة لكي يتبين له جهله بحقائق الأمور. من يظن أن اليهود أعداء للنظام السوري عليه أن يراجع كيف سقطت القنيطرة ومالثمن الذي حصل عليه وزير الدفاع الذي سلمها لليهود، ثم ينتظر المستقبل ليرى كيف سيهرول النظام إلى طاولة المفاوضات ليبيع آخر ما يملك في سبيل البقاء في الحكم ولو حتى على عشر سورية الجغرافية.
من يظن أن سلام خاتمي على موشيه كاتساف لم يحصل أو أنه مجرد بروتوكول فعليه أيضا أن يتذكر فضيحة إيران غيت في إسرائيل أيام الحرب بين العراق وإيران فلعله يبصر طرفا من الحقيقة، أو أن ينتظر حتى يحين الوقت المناسب لإعلان المواقف الحقيقية للنظام الباطني الإيراني من إسرائيل واليهود والصراع الإسلامي اليهودي.
ألا يستحق السوريون المعارضون القابعون في السجون وأقبية المخابرات أن يتبادلوا الآن المواقع مع الرئيس القومي الثوري البعثي العقائدي؟ هل سمعتم عن أحد منهم أنه صافح رئيسا أو وزيرا إسرائيليا؟ألم يدخلوا السجون بتهمة الإتصال بالأعداء اليهود والتعاون معهم لقلب الحكم الثوري الذي يقف بالمرصاد لليهود ولمخططاتهم اللئيمة؟ فمن الذي يستحق السجن؟ أم أن هناك من يجوز له ومن لا يجوز له؟
الإعلام السوري اعترف بالمصافحة كنوع من التدرج في الوصول إلى سلام الخرفان مع إسرائيل، أما في إيران فالوقت لم يحن بعد فهناك لم تنته عملية غسيل دماغ الشعب الإيراني والسيطرة عليه تماما والشعارات المرفوعة هناك أقوى وأضخم والحرية النسبية التي تتمتع بها المعارضة بالمقارنة بسوريا الثورة وكذلك الدور الإيراني في العراق كل هذا لا يسمح الآن بمثل هذه الحركات البهلوانية كما أن الضغوط التي تمارس على إيران أخف مما يمارس علىسوريا في هذه الأيام والتنازلات المطلوبة من سوريا أكبر من التنازلات المطلوبة من إيران حاليا.
الإعلام السوري قلل من أهمية الحادثة واعتبرها مصادفة بحته فقد كان الرئيس يحرك يده في الهواء فارتطمت بيد موشيه الذي كان يحرك يده أيضا في نفس الوقت فتمت المصافحة العفوية كما سمتها آلة الإعلام السورية الخرقاء، وربما قام بتصويرها صحفي مغرض ماسوني صهيوني أمريكي لكي يبتز الحكومة السورية العصية على التطبيع. ولكنني أعتقد أنه بعد المقالات المعارِضة التي نُشرت حول الموضوع فلا بد أن الإعلام السوري سيتحرك ليبرر الحادثة ويحولها إلى قمة الذكاء والتكتيك الرهيب من القائد الملهم تجاه عتاولة الصهيونية العالمية ربما ليقطع الطريق أمام اليهود أو الأمريكان ولكي يثبت أن إسرائيل هي التي لا ترغب في السلام وأنه هو ملك السلم والحرب الأوحد.
ستطلع علينا حتما بوق الإعلام السوري وحيد النغمة السيدة بثينة شعبولا من منبرها الإعلاني مدفوع الأجر في الشرق الأوسط لتخبرنا عن مدى حنكة القائد الذي هو نسخة من أبيه قمة الذكاء العربي وذروة ما أبدع العرب في القرن العشرين من شخصيات سيخلدها التاريخ، التاريخ الذي خلد هولاكو وهتلر وموسوليني وستالين وسيخلد الأسد وبوش وشارون في نفس القائمة، وستخبرنا كم كان الرئيس الشاب رائعا أثناء مصافحته لموشيه وكم كانت نظراته معبرة فهم منها موشيه أنه لااستسلام ولا تنازل عن المبادئ أبدا، فرجع إلى قومه غضبان أسفا ينذرهم بالوعيد الذي فهمه من نظرات الرئيس الشاب، ويعلن لهم أن أطماعهم في الفرات لن تتحقق مادام هذا الليث واقفا على الحدود بين سوريا وإسرائيل يحميها (لا أدري في الحقيقة على من يعود الضمير هنا) بسياسته وتكتيكاته الرهيبة. ستحدثنا السيدة بثينة طبعا عن الظلم الأمريكي في العراق والإسرائيلي في فلسطين وعن ازدواج المعايير الغربية وعن كذبة الديمقراطية الغربية وعن ما يصلح لشعوبنا وأوطاننا وما لا يصلح وستخلط نيكاراغوا بفيتنام، وتسونامي بالحادي عشر من أيلول، ورمضان بشعبان، والبابا بشيخ الأزهر، وستقارن بين رئيسيها السابق والحالي وبين الصحابة، وستتكلم عن الديماغوجية والإيديولوجية والبعث ولبنان والمقاومة والمعارضة والموالاة، لتصل في النهاية إلى أن المصافحة لم تتم وأننا كنا كلنا نحلم وأن الرئيس لم يغادر دمشق وأن البابا لم يمت أصلا.
أمير أوغلو / الدانمارك / 10 نيسان - أبريل 2005
23:40 | Permalink | Comments (0)
The comments are closed.