Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 01 April 2005

إبن الأيه - مصطفى قيسون

غلب الظن فى رأيى أن استخدام التعبير "يا ابن الإيه" بين المصريين عادة لايمثل قذفا فى حق الآخر وموقع هذه (الإيه) هنا لاتدل على شئ

محدد فهى تستخدم كثيرا فى حواراتنا مثل "بتقول إيه"

و"عشان إيه" و"أنا أعمل إيه".. والغريب أن كلمة (إيه) هذه قد ذكرها المهندس المبدع سامح مقار فى كتابه الممتع (أصل الألفاظ

العامية من اللغة المصرية القديمة) حيث يقول سيادته أنها تعنى البقرة أوالعجل فى اللغة المصرية القديمة.. فحمدت الله أن الناس فى عصرنا

لاتتناولها بهذا المعنى!.. فهذه الكلمة تأخذ أحيانا وضع المنقذ عندما تهرب الكلمات من طرف اللسان عندما تواجه صديقا عزيزا قد رفعت

(الكلفة) بينك وبينه فتعبر له عن سعادتك للقائه بقولك "يا ابن الإيه!" وإذا ما قام أحد بإنجاز عجزت أنت عن عمله لأنه قد خرج عن حدود

إمكاناتك فتريد أن تعبر له عن إعجابك الشديد مع افتقادك لحظتها للكلمات المناسبة فتهتف تلقائيا "يا ابن الإيه!".. كأننا استبدلنا معانى معينة

مثل "الذكى" أو"المفكر" أو"العبقرى" بكلمة شاملة هى "الإيه".. وبالطبع هذه "الإيه" ليست الكلمة المميزة لصاحبنا رائد الأغنية

الشعبية الذى عجز عن أن يجد لأغانيه (القفلة) المناسبة فيظل (يجعًر) مثل الطاحونة بعد كل مقطع مرددا "إيــــــــــه...!"..

وأحيانا عندما لاتوجد (كلفة) بين صديقين للدرجة التى يكونوا فيها (واخدين على بعض) فيقول أحدهما للآخر فى موقف إعجاب "يا ابن

المجنونة!".. قاصدا بها المدح وليس القدح!.. وهذا يجرنا إلى ظاهرة السباب التى انتشرت فى مجتمعنا بصفة خاصة من خلال حوار لا

أخلاقى فتكون مصاحبة للشجار الذى تجده فى الشارع وفى الأتوبيس وعلى رصيف محطة القطار وعلى درجات السلم الخاص بإدارة حكومية أو

أمام جمعية تعاونية أو فى طابور من أجل الحصول على رغيف من الخبز من أحد الأفران أو حتى على صفحات الجرائد والمجلات وهى فى جملتها

الأماكن التى يكثر فيها الصدام لتضارب المصالح الشخصية ولإثبات الذات بأى وسيلة حتى وإن كان بحوار غير حضارى يتميز بالعنف ويخرج عن

حدود الأدب كما لو كانت الكراهية قد أصبحت هى التى تحكم علاقات البشر! وربما كان للتحول الرهيب فى المجتمع وانقلاب الموازين والتغير

الذى طرأ على طبقات المجتمع له الأثر الفعال فى افتقارالإنسان إلى المنطق والحجة فيلجا إلى الصوت العالى وعنف الحوار وغليظ الألفاظ!..
إن كل شعب من شعوب الأرض له طريقته فى التعبير عن سخريته من الآخرين أو عدم رضاه عن المواقف الغير مريحة فنجد فى الأفلام الناطقة

باللغة الإنجليزية كلمة سوقية قذرة تلوك بها بعض الألسنة لكنها كلمة وحيدة يرددها أبطال العمل الدرامى عندما يتبادلون العراك الذى يتخلله

السباب.. وهذه الكلمة المشينة يتم تبادلها فقط بين الشخصين المعنيين بالحوار السليط ولايتجاوزهما مطلقا فلا يمتد إلى الأب أوالأم أو شجرة

العائلة!.. أى أن حلبة الصراع القذر والإنحطاط الأخلاقى لاتضم سوى الشخصين المتناحرين.. أما بعض الشعوب فى منطقتنا الشرق

أوسطية الناطقة بالعربية فالحوار يأخذ شكلا مختلفا عند التراشق بالكلمات فى حالة الشجار وعدم فض الإشتباك ليتجاوز كلمات عهد الجاهلية مثل

"خسئت" و"بئس أنت" و"ثكلتك أمك" وكلمات المؤتمرات العربية "نشجب" و"نستنكر" فقد تم تطوير هذه الآليات من خلال قاموس

طويل فى حجم واحد من المعاجم مثل (المصباح المنير) يضم بين كفتيه قائمة من الشتائم ذات المستوى الرفيع يتبادلها المتشاجران ليس فى

شخصيهما فقط بل يتعداهما إلى الأب والأم حتى يمتد لسابع جد رغم أن المشكلة بينهما لاتخص أحدا من أفراد العائلة الكريمة حيث يبدأ السباب

مباشرة دون مقدمات بـ"يا إبن... ..." ثم يضع فى الفراغ مكان النقط ما يشاء من أسماء الحيوانات الأليفة وغير الأليفة وخاصة

الحيوانات التى تتسلق الأشجار برشاقة أو الحيوانات التى تتحمل المشاق وزيادة فى النكاية بالخصم يتم إستخدام أنثى الحيوان!.. ليس للإستهانة

بالأنثى لاسمح الله لكن لما نلاحظه على الشكل العام لذكر الحيوان أو الطير حيث يتمتع بالمنظر الخلاب الذى تفتقر له الأنثى من نفس النوع!..

أنظر مثلا إلى ذكر الطاووس الذى يلمع ريشه بكل الألوان (الميتاليك) وأنثاه بجانبه تتوارى خجلا فتضم جناحيها كأنها مكسورة الجناح! وانظر

إلى الديك التركى الذى يفرد ريش ذيله مثل مروحة بنات (الجيشا) وأنثاه كأنها دجاجة بلا معالم.. ونظرة سريعة غير متفحصة لحوض أسماك

الزينة فتكتشف على الفور أن الذكور تسبح بخيلاء كما لو كانت تعلم بما حباها الله من جمال أخاذ!.. أما عن الإنسان فالأمر يختلف تماما فلا

نجد من الشعراء من التهبت مشاعره فيترجمها إلى قصيدة فى رجل (خنشور) أما المرأة فتجدها دائما قاسما مشتركا ليس فقط بين الشعراء بل مع

كل فنان حتى الذى (انتص) فى نظره تجده يناجى القمر الذى يلهب مشاعره ويلهم قريحته فاستبدل المرأة بالقمر خجلا من أولاده أو خوفا من

زوجته!.. وكما أصاب التطور كل أمور الحياة لم يبخل التطور أيضا من صقل الشتائم والسباب وإعطائها النكهة الحريفة فإذا ما تم تسخين

الموقف من قبل المتفرجين وبلغة المصايف "إديها جاز" فينتقل الحوار على الفور إلى درجة أكثر سوقية فيجتاز كل الخطوط الحمراء حيث يتم

الإنزلاق السريع من أسماء الحيوانات وصفاتها إلى مصطلحات العاهرات ومعلقات حوائط دورات المياه!.. والأغرب من ذلك تجد أحد الخصمين

بعد أن يكيل لخصمه (نقاوة) البذاءة يقول "لولا أدبى وتربيتى كنت أوريك!".. ومما يبرهن على عراقة الشارع فى هذا المضمار أنه منذ

ربع قرن صدر حكم قضائى ببراءة متهم بالقذف فى حق أستاذ جامعى قائلا له "يا إبن الكلب!" فاستطاع الأستاذ المحترم أن يتذكر قول الله

تعالى "والكاظمين الغيظ" فكظم غيظه لكن ذاكرته خانته ولم يتذكر قول المولى عز وجل "والعافين عن الناس" فتمسك بحقه فى رفع الأمر

إلى القضاء لكن القاضى سامحه الله لم ينصفه وحكم ببراءة الخصم إذ جاء فى حيثيات القضية أن "مثل هذه الشتائم أصبحت منتشرة فى الشارع

المصرى لذا لم تعد تخدش الحياء"!!!.. ولو كان هذا القاضى قد حكم على المتهم بما يستحقه دفاعا عن المجتمع لكان ذلك كفيلا بتربية من

استعصى على أهله ومربيه.
وفى الريف المصرى نجد أن أطفال الجنوب فى وجه قبلى قد اكتفوا بكلمات مثل "أطخك" بمعنى أضربك بالبندقية وترفعوا عن الأنماط الأخرى

للسباب أما أطفال بحرى فى الشمال فأكثر تمرسا عن أقرانهم فى الجنوب مع تخصصهم الرفيع فى نوع معين من الشتائم يدعوك للتأمل فعادة مايكون

السباب بتمنى المرض للخصم عفاكم الله وعفانا من كل شر.. لكن لماذا تخصص أطفال بحرى فى هذه النوعية التى تتمنى للخصم

المرض؟!.. ربما لانتشار بعض الأمراض فى الريف حول الدلتا مثل البلهارسيا وغيرها فى فترة سابقة من تاريخ مصر لكننا لا نوجه الإتهام

لجيوش لويس التاسع باصطحاب هذه الشتائم عند حملتهم على مصر لأن التاريخ لايذكر أن لويس التاسع قد سب أحدا ممن أسروه فى (بيت إبن

لقمان) بمدينة المنصورة فالرجل كان يتحلى بالأخلاق الملكية ولم يكن لسانه (زفر) مثل قادة الحملة على العراق!..
وإذا انتقلنا إلى القاموس المؤنث نجد أن مصطلحاته تتوقف على المستوى الإجتماعى فإن كنت من أهل (القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود)

وكنت ترتاد بلاجات الأكابر فسوف تفتقد هذه النقيصة ولن تشنف أذناك بسيمفونيات الهجاء الرخيص لأنه غالبا لا يوجد ما يعكر صفو رواد هذه

المناطق فكل شئ تمام والحمد لله.. وأقصى ما يمكن أن تلاحظه هو استياء إحداهن من معاكسة على الشاطئ فتنفجر قائلة "يا إنْتَ!" وبهذه

الـ(يا إنت) تشعر هى براحة كأنها أزاحت عن صدرها هما ثقيلا لأنها وصفت غريمها بأنه مجرد نكرة!.. وإن احتاج الموقف لشئ من

التجاوز والتخلى عن التربية السامية فلا أكثر من كلمة (بيئة) أى أن الخصم ينتمى إلى بيئة أدنى.. فعلا الباشا باشا.. سيبك انت!..

حتى السباب له مستويات!.. وكل إناء ينضح بما فيه!.. أما إذا انتقلت إلى واحد من الأحياء الشعبية أو ما يطلق عليهم التعبير العصرى

(محدودى الدخل) كما تنعم الدول المتقدمة على الدول المتخلفة بتاج يسمى (الدول النامية) فتجد الواحدة منهن تكيل للأخرى ما لذ وطاب من

كلمات منتقاة لاأدرى كيف تم طبخها كأن تقول إحداهن لغريمتها "يا سوده يا كوده يا قرن الخروب" فتنعت غريمتها بعدم استقامة القوام وبسواد

البشرة مثل قرن الخروب فلا تراها فى الظلام إلا إذا ابتسمت فيعلن بياض أسنانها عن وجودها! أما (كوده) هذه فلم ترد معناها فى معاجم

السباب فربما تقال لاكتمال الوزن والتفعيلة والقافية! ويتضح أن صاحبة الكلمات أنها تميل إلى اللون الأبيض أو الخمرى! مع أن لكل لون رونقه

وجماله وقد تغنى الشعراء من كل لون لكل الألوان!.. أما الخصم فترد على غريمتها بأسوأ منها "يا إبرة مصدية.. يا حبل المعدية.."

وهذا التشبيه لايخلو من مكر وسوء نية فالإبرة المصدية كناية عن القدم وعدم الصلاحية أما حبل المعدية فمن أجل أن (تعايرها) بقوامها النحيل

المتماثل الخالى من علامات الأنوثة البارزة وأنها ليست (مربربة) بحسب مقاييس الزمن الذى ولى!.. فعلا البيئة لها الأثر الفعال فى صقل

الشتائم!.. لكن للحق نعترف أن القاموس الأنثوى أكثر أدبا من قاموس الرجال الذى قد هبط مستواه إلى الحضيض ولو أنى لاأعلم بالضبط معنى

كلمة (الحضيض) فكل ما أعرفه أنها تلتصق دائما بالأشياء السيئة كما يلتصق التوأم السيامى بشرط ألاتسمعها من النساء (الروشة) الذين

يتميزون بالرقة لأنها ستصل إلى أذنيك بمعنىً آخر يدل على القوة والصلابة!.. ونحمد الله أن النساء فى بلادنا لازلن يتمتعن بعفة اللسان ولم

تهبط أى منهن بعد أدنى من "الإبر المصدية وحبل المعدية" وأن قذائف السباب لديهن محدودة المدى مثل الأسلحة الخفيفة فلاتصل إلى جميع الأهل

مثلما يحدث مع قذائف الرجال الصاروخية التى تحمل (النابالم) ليحرق الأسرة بأكملها مما حذى بالنساء العاقلات أن يتنازلن بمحض إرادتهن

لبعض الرجال عن فنون (الردح وفرش الملاية)!.. فأصبح من السهل تحديد نوع البيئة من خلال كلمات السباب!..
والغريب أننا قديما قد أفردنا للهجاء مساحة لابأس بها وصنفنا الشعر فهذا للغزل وهذا للمدح وذاك للهجاء وهكذا وضعنا شعر الهجاء محل تقدير

واهتمام حتى أن أحد الشعراء القدامى انزلق إلى الهجاء وهو فى حالة مدح قائلا:
"أنت كالكلب فى حفاظك للود***وكالتيس فى قرع الطبول"!.. هذا إن كنت أتذكر بيت الشعر..
والآن.. على من تقع المسئولية؟! فى رأيى أن المسئولية تقع على عاتق من يدعى أنه فنان ثم يجد أجهزة الإعلام المتمثلة فى الإذاعة

المسموعة والمرئية وكذلك السينما والمسرح تفتح له كل الأبواب حتى يتبادل الواحد منهم مع الآخر الحوار السوقى الذى تتخلله الألفاظ الجارحة

للأخلاق فينتقل هذا الغسيل القذر إلى الناس عبر هذه القنوات الإعلامية وكل حجة هؤلاء أنهم يضفون الواقعية على أعمالهم وفاتهم أن رسالة الفن

أسمى من ذلك فهى فى رأيى تجميلا للواقع وليس نقله بحسناته وسيئاته.. فلا أظن أن كل مقاييس الجمال فى أعمال فنان مثل (ليوناردو دافنشى)

أو (مايكل أنجلو) يمكن أن تجتمع كلها فى امرأة!.. ولتأثير الإعلام على الشارع تكثر الأمثلة.. خذ مثلا (مدرسة المشاغبين) بما فيها

من إسفاف قد ساهمت وغيرها من المسرحيات مثل (العيال كبرت) فى إعادة تشكيل سلوكيات المجتمع.. وإذا انتقلنا لبعض الأعمال الأخرى

لأدلل بها على مدى تأثيرها على العامة (ليس بالضرورة أثرا سيئا) فنجد (لازمة) فى أحد أعمال (محمد نجم) يندر أن تجد أحدا فى بلادنا

لايذكرها وهى "شفيق ياراجل"!.. وفى مسلسل (رحلة المليون) للفنان الملتزم (محمد صبحى) عندما ابتدع (لازمة) على لسان

شخصية (سنبل) فكان يردد "يخرب مطنك!" وعلى الرغم من أن أحدا لايعرف ماذا تعنى بالضبط كلمة (مطنك) هذه إلا أن الشارع

المصرى عن بكرة أبيه أخذ يرددها خلفه لأجيال وكأنها صارت مثلا!.. ولا يخفى علينا بعض الأفلام التى تجعل المتفرج يتعاطف مع الخارجين

على القانون! وإذا استرجعنا أعمالا كثيرة فى السينما والمسرح والتليفزيون خلال هذا الزمن الكئيب نجدها قد ساهمت فى خلق جيلا عدائيا باليد

وباللسان!
إن الشارع يحتاج إلى إعادة تشكيل سلوكياته وهذه ليست وظيفة المدرسة والبيت فحسب حيث تذهب مجوداتهما أدراج الرياح بتأثير الشارع لذا لزم

تدخل أجهزة الإعلام من خلال إعداد برامج مدروسة تستطيع إيقاف زحف هذا الفساد وإعادة النظر فى قانون العقوبات لردع ذوى الأخلاق السيئة

وتهذيب سلوكياتهم وإعادة ما أصاب تربيتهم من اعوجاج.

The comments are closed.