Friday, 01 April 2005
الإخوان المسلمون واللعب على أحبال السياسة - أسامة الهتيمي
الآن تأكد الجميع من أن التغيير السياسي في مصر قادم لا محالة فالمؤشر والبوصلة الأولى لتحديد الاتجاه والنوايا السياسية للنظام المصري تحرك أخيرا وبعد طول انتظار مما ينهي معه عمليات التكهن والتحليل وحتى التشكيك في حقيقة الجاري .
فعلى الرغم من انشغال القوى والتيارات السياسية - بغض النظر عن ضعف قدرتها على التأثير- كلها في الحشد والتجبيه من أجل الحفاظ على ما اعتبرته مكتسبات للمعارضة ودوام المطالبة بالإصلاح السياسي كانت جماعة الإخوان المسلمين أكبر وأقوى وأقدم التيارات السياسية والدينية في العالم العربي منشغلة بما هو أولى وأهم باعتبارات أجندتها وجدول أعمالها حتى اعتقد الناس أن الجماعة تحيا لحظات ما يسمى بالغيبوبة السياسية .
فآلاف طلاب مصر بجامعة الأسكندرية يتظاهرون من أجل فيديو كليب وآخرون يتظاهرون في جامعة حلوان من أجل الإفراج عن الصحفي السوري بقناة الجزيرة والمحتجز في أسبانيا تيسير علوني وقبل أيام قليلة تخرج مظاهرات بأغلب جامعات مصر للاحتفال بذكرى اغتيال شيخ المقاومة ومؤسس حركة حماس الفلسطينية أحمد ياسين .. في حين العشرات من غير الإخوان يخرجون للتظاهر شبه اليومي في ميدان التحرير وأمام مجلسي الشعب والشورى للمطالبة بالإصلاح السياسي ورفض محاولات التمديد للرئيس المصري بولاية جديدة فضلا عن رفض التوريث لنجله جمال .
وتنشر على لسان المرشد العام للجماعة وسط كل هذه المعمعة تصريحات تؤكد احترام الجماعة للرئيس المصري باعتباره ولي الأمر الذي يجب طاعته وأن الجماعة على استعداد لمبايعة الرئيس مبارك لولاية خامسة بشرط أن يفتح معهم قناة للحوار وهي التصريحات التي مثلت للملايين من أبناء مصر سواء ممن ينخرطون في العمل داخل صفوف الإخوان أو ممن يتعاملون معها باعتبارها قوة سياسية لها الحق في الوجود الشرعي مثلت لكل هؤلاء صدمة أعادت للإذهان الكثير من المواقف السياسية السلبية التي انتهجتها الجماعة خلال حقب سياسية متعددة .
ولم تشهد كل المسيرات أو المظاهرات بشأن موضوع تعديل الدستور والإصلاح السياسي منذ بدأت العام الحالي أية مشاركة إخوانية حقيقية سوى من عناصر ربما تحركت لتعبر عن نفسها لمواقعها النقابية أو للحفاظ على ماء وجهها الذاتي وربما لتسجل الجماعة لنفسها مشاركتها في هذه المسيرات إن هي عوتبت في هذا .. لكن الجميع يدرك تماما أن تمثيل الإخوان بهذه الضآلة لايعد مشاركة حقيقة وأنه فقط أحد أدوات التكتيك السياسي في لعبة العلاقات مع بقية القوى والتيارات الأخرى وهو ما يسمونه بـ " اللعب على الحبلين ".
وقد كان كل ذلك كفيلا بأن يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن دعاوى الإصلاح والتعديل التي يطلقها النظام السياسي في مصر دعاوى زائفة وليست حقيقة ..أو انها تعد مرونة من النظام المصري للتقليل من حدة الضغوط الخارجية وامتصاص الغضب الداخلي .
لكن اليوم الوضع يتغير وأخيرا يدعو الإخوان إلى مسيرة سلمية أمام مجلس الشعب للمشاركة بفاعلية في مطالب الإصلاح السياسي ويدعون إلى المشاركة الحركة المصرية للتغيير التي تضم في عضويتها ممثلين لأغلب الأحزاب السياسية .
فماذا حدث إذن يدفع الإخوان إلى تغيير استراتيجيتهم ؟ .. هل استيقظوا من غفلتهم أو غيبوبتهم السياسية ؟.. أم أنهم استشعروا بأن حالة من فقدان الثقة والمصداقية بدأت تسري في جسد القاعدة من الإخوان المخلصين ؟.. أم أن الإخوان بعلاقاتهم وقدراتهم المتميزة استطاعوا ان يتأكدوا من حقية الحدث وأنه ليس زائفا ؟ .
الرئيس مبارك في حواره الأسبوع الماضي لصحيفة لفيجارو الفرنسية يؤكد حق الإخوان وحريتهم في الانضمام إلى أي حزب يريدون وهو تصريح خطير يشير إلى تغيير سياسية النظام في التعامل مع الإخوان الذين كانوا سببا رئيسيا وعاملا مهما في علاقة العداء بين النظام وحزب العمل الذي احتضن العديد من أعضاء الجماعة وأتاح لهم فرصة التواجد على الساحة السياسية وهو ما أدى في النهاية إلى تجميد نشاط الحزب وغلق صحيفته .
فالباب أصبح مفتوحا للإخوان واعتبارهم أحرارا من قبل رأس النظام هو جواز المرور بالنسبة لهم وحق ليس من السهل أن يفرطوا فيه .
ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس تعلن وبمنتهى الصراحة بأن بلادها تمارس ضغوطا من أجل إجراء انتخابات رئاسية تنافسية في مصر هذا العام وأنها لم تعد تبالي كثيرا بما يثار من مخاوف من أن المتطرفين المسلمين سيحلون محل الانظمة الاستبدادية ولكن ما يحركها حقيقة قوية مؤداها أن الشرق الاوسط لم يعد ليستمر مستقرا ومضيفة أن التطرف يتجذر في غياب القنوات الاخرى للنشاط السياسي.. ومن ثم فإنه لم يعد ممكنا الدفاع عن الوضع القائم فيما تكون هناك رغبة في التحرك في اتجاه آخر.
إشارتين مهمتين في أسبوع واحد تضيئان الضوء الأخضر لحركة الإخوان المسلمين لم نعتاد أن تتركهما فلسفة السلوك السياسي لحركة الإخوان من المرور مر الكرام دون استغلالها وتحقيق كامل الإفادة منهما لهذا فالفرصة سانحة لئن تتعامل الحركة مع الوضع الجاري بشكل مختلف ولئن تستعرض ولو بشئ من الحذر عضلاتها التنظيمية محققة بذلك عدة أهداف ربما يتعارض بعضها مع بعض دون أن يؤثر ذلك بالسلب على تنظيم الإخوان الذي يعد الحفاظ عليه هو الهدف الأساسي للحركة .
فالتحرك البطئ والتدريجي – حيث كانت دعوة الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام بأن تكون المسيرة رمزية وليست حاشدة - يرسل برسالة صريحة وقوية إلى النظام السياسي في مصر على أن الحركة لا تسعى مطلقا ولا ترغب في الدخول في مصادمات مباشرة معه كما انها على استعداد بأن تتفاهم وتتعاون من أجل إرساء الاستقرار وامتصاص الغضب الشعبي شريطة أن يبدي النظام مرونة أكبر في التعامل مع الحركة .
وتؤكد الحركة من خلاله لكل التيارات والقوى السياسية أنها ما زالت القوة الرئيسية والأساسية في الشارع وأنها الوحيدة الأجدر على تحريكه وهو ما يوحي بإيحاءين لهذه التيارات أولهما الشعور بالإحباط والضآلة أمام الحركة وثانيهما أنه لا مفر من التعاون مع الحركة لتحقيق مطالب هذه التيارات .
وتظهر الجماعة عن طريق تحركها المحسوب والمدروس للعالم وللقوى الدولية أنها حركة منظمة تستوعب جيدا آليات الديمقراطية وأنها قادرة على تملك زمام أمورها وهو ما يشير بقوة إلى قوة التنظيم وقدرة الجماعة في السيطرة على حركة أعضاءه .
كما يمكن بهذا أن تسجل الحركة لنفسها تاريخيا تحركها وتفاعلها مع الشارع المصري في إحداث التغيير المنشود وهو ما يصنف الحركة باعتبارها حركة مناهضة للنظام السياسي وليست حركة تربطها معه علاقة مصلحة أو صفقات سياسية .
وأخيرا فإن الإخوان وعن طريق قرون استشعارهم الحساسة يكونوا بهذا التحرك في مقدمة الصفوف وأقواها التي تعطي لهم الحق في الحصول على النصيب الأكبر من الغنائم إن صدقت حقيقة استشعاراتهم .
بهذا تكون الجماعة قد تعاملت مع كل الملفات بذكاء منقطع النظير وراهنت على كل شئ باحتمالات بسيطة للخسارة والابتلاء وأرضت كل الأطراف مع احتفاظ أعضاء مكتب الإرشاد والإرشاد فقط لأنفسهم بحقيقة نوايا الجماعة وأهدافها حيث أن آلاف الإخوان يثقون في قيادتهم ولا يسألون إذا ما كلفوا بأن يفعلوا فحتما ما يؤمرون به ابتغاء مرضاة الله .
واضح أن الإخوان فرس الرهان الجديد شاءوا أم أبوا فهم أكثر من يمكن أن يحقق التجربة التركية الإسلامية في الشرق الأوسط ليسقط بذلك بعبع الخطر الإسلامي الذي ما فتأ يهدد الولايات المتحدة وأوروبا بغض النظر عن حدود سقف التنازلات الذي قدمته حكومة أربكان ومن بعدها حكومة أردوغان وسقف التنازلات الذي يمكن أن تقدمه حكومة الإخوان المسلمين القادمة في مصر .
الصراع القادم سيكون إذن بين ما يمكن أن يقدمه الإخوان من تنازلات وغيرهم من الإسلاميين الجدد أو القدامى الذين يمكن أن يقدموا تنازلات أكثر ليحظى بثقة ورضا العم سام وهو الامر الذي دفع الإخوان إلى أن ينتقدوا وبشدة محاولات تأسيس أحزاب سياسية قام على إنشائها من يحسب على الإخوان المسلمين لإدراكهم الكامل أنه باستطاعة هؤلاء أن يقوموا بتقديم ما لم يسمح لهم هم بتقديمه الآن .
الحركة ما زالت القوية وما زالت الأجدر على إحياء عواطف الناس والتأثير فيهم فلماذا تصر قياداتها على على قطع الصلة بين ما يطمح إليه الشارع وبين ما تراه هي أنه في مصلحة التنظيم متعللة بتعرضها لما هو أحد أساسيات اختبار حقيقة الإيمان و الجهاد في سبيل الله وهو التضحية والابتلاء ؟ .
09:35 | Permalink | Comments (2)
Comments
ارجو مراسلتي
Posted by: علي أحمد | Friday, 06 May 2005
السلام عليكم
بعد تحياتى أقدم شكرى على بساطة الأسلوب وشبه الموضوعية فيه(وعذرا عن كلمة شبه)
لأنتقل مباشرة إلى ملحوظتى وهى واحده ولكنها خطيرة إذ انك -ولست وحدك فى هذا- قد عولت كل تصرفات الجماعة على اساس مصالحها الخاصة ولكن ما سمعت وماقرات انا قديما او حديثا أن الإخوان تحركو لهدف خاص ولم يقدمو مطالب خاصة بفئتهم فقط وكانت مطالبهم دائما مستوحاة من اهداف نشأة الجماعة نفسها يمكنك الإطلاع عليها فهى متداولة ولم يحيدو عن مطلب واحد ولم يتغير اسلوبهم ولعل اهم هدف لا يخفى على احد هو المطلب الإلهى (ان نحكم- بوضع الضمة على النون والفتحة على الكاف -بالإسلام شريع ومنهجا وقد قالها المرشد الثالث صراحة للسادات لفظا(احكمنى بالإسلام وشغلنى عندك كناس) مطالب الحرية والتغيير هى احدى الأدوات لذلك إذ ان عداء النظام ليس لأشخاص الإخوان وإنما لما يمثلونه وهى الفكرة الإسلامية الصميمة . عذرا إن أطلت ولكن الله وحده عليم بالنوايا وما اتربى عليه انا وإخوانى ان نحترم الآراء ونحسن الظن للوصول إلى الإتجاه الصحيح ولعلك تعلم ان الإخوان لا يستمدون قوتهم من اشخاصهم وإنمكا مما يدعون إليه على مدى قرابة قرن من الزمان فهل ترى ان فكرة لا تقوم على الصدق تستطيع تحمل ما تحمله الإخوان وان يستمر مدها افقا ورأسا فى الشعوب العربية جميعا بل وبعض الغربية أيضا ؟؟ عذرا مرة اخرى وأرجو ان لا اكون قد ازعجتك سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
Posted by: altayep | Thursday, 19 May 2005
The comments are closed.