Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 25 March 2005

الرئيس يجب ان ينزل الى الشارع - طارق جابر

محق كل من يذهب إلى أن حل مشكلاتنا لا يقتصر على تعديل دستوري أو قانوني مما يدخل في باب معالجة الأطر والهياكل مع التوقف عند حدودها دون تفعليها على البشر وعلى الواقع من خلال الممارسة والعمل.



وذلك لسببين، الأول أننا لا نعدم بين تشريعاتنا سواء الأم كالدستور أو الفروع كالقانون النصوص الجيدة، التي تبقى أسيرة المتون والحواشي ولاتجد طريقها للتطبيق ليس أنها غير موجودة ولكن بسبب من يطبقها، والثاني أن مشاكلنا بالأساس ناتجة عن الفجوة بين المثال والواقع، النص والممارسة، القول والعمل.



مشاكلنا بالأساس نابعة من أوضاع تنكبت منحنى الهبوط وعششت في العقول والقلوب منعكسة في العمل والسلوك حتي كرست لواقع التدهور والانحلال سواء بالاسراف في الممارسة أو بصناعة القوانين والأطر المعبرة عن هذا الخلل.



ولعل إحدى المسائل الغائرة في تركيبتنا الثقافية وذات الانعكاسات والتداعيات الخطيرة على واقعنا مسألة صورة السلطة ووظيفتها وعلاقتها بالناس، الصورة والوظيفة والعلاقة التي رسخت واستقرت منذ عقود مضت وعفى عنها الزمن، والتي تجاوزها بني البشر إلى صيغ أكثر كفاية ورقيا وفاعليه، وعقدتنا هي عجزنا عن اللحاق بهذا التطور البشري وعن توطين مفاهيمه وقيمه في تربة ثقافتنا وفكرنا.



لن يجادل أحد في حاجة وضرورة تمتع السلطة بالهيبة والاجلال لتتمكن من أداء وظيفتها بين الناس، إلا أن مصدر ومحل الجدل والاختلاف هنا هو مصدر هذه الهيبة وكيفية اكتسابها واستخدامها.



في مجتمعات كمجتمعاتنا لازالت مرابضة عند المفاهيم القديمة للحكم والسلطة يكون مصدر هذه الهيبة هو البطش والتسلط والقمع، تكتسب بتقديس الحاكم وتستخدم في تحصينه، فيجرى تكريس رهبة السلطة بين الناس بالميل إلى القداسة والتنزيه الذي يتجاوز حدود البشري والانساني إلى ماوراء ذلك، وفي سياق هذا النمط القديم من الحكم فإن مفهوم الشرعية لا يستند بالأساس إلى القانون أو إختيار الناس وإنما سيتند إلى الانجاز وسكوت الناس، بينما في المجتمعات المتقدمة يكون مصدر الهيبة والرهبة هو القانون بالأساس والشرعية المبنية على هذا القانون وعلى إرادة رجل الشارع التي تنصب الحاكم وتطيح به.



بالاضافة على هذا الاختلاف الجوهري في المفاهيم بين أطوار الحكم والسلطة القديمة والحديثة، هناك اختلاف أساسي ينعكس على صعيد التطبيق، وهو أن نظمنا السياسية تستند في نجاحها أو إخفاقها إلى عوامل شخصية كصلاح الحاكم أو فساده، أو حتى ككفايته أو عدمها، بينما توجد في النظم الحديثة معايير أكثر إستقلالية وموضوعية في التقييم، أساسها النظام ذاته وليس الأشخاص.



بعبارة أخرى ففي بلادنا يحكم الشخص الفرد على النظام برمته، بينما في البلاد المتقدمة يحكم النظام على الفرد مهما بلغ مقامه أو إرتفع منصبه.



هذه المشكلة ببعض الأبعاد التي أوردناها يمكن رصدها في أجلى وأوضح صورها في أوضاع وممارسات ققم السلطة في الأنظمة، تستوى في ذلك الأنظمة الملكية بالجمهورية، ويبقى التفاوت في الدرجة فقط وليس في المضمون أو الجوهر المستند إلى المفاهيم التي سبق الاشارة إليها.



قد لانبالغ إذا قلنا إن أحد مفاتيح خروج هذه الأمة من خناق أزمتها الراهنة هو حل شفرة هذه المعادلة بين السلطة ودورها وصورتها وبين الناس، لتصاغ وفق قواعد وأصول الحكم والادارة الحديثة وما يترتب على ذلك من تحول جذري في ثقافة الناس وفي أداء كافة قطاعات ومؤسسات الدولة بشكل عام.



إن العائق الأكبر الذي يحول دون تقدم الأمة هذه الخطوة الحاسمة هو قعود من يملكون القيام بها عن الحركة في اتجاهها، وتفضيلهم للأوضاع القائمة، سواء بدافع من المصالح والامتيازات التي يتمتع بها بعضهم، أو بسبب الخشية والخوف الذي يقعد البعض الآخر.



إننا نتصور أن تبعات خطوة كهذه تقع بالأساس على الحاكم ذاته، فإن قعد عنها فهي واقعة على النخبة من أبناء الأمة، ولا نتصور بحال من الأحوال أن يلام عموم الناس عليها وإن كانوا هم – أي عموم الناس – موضوعها ورصيدها.



كما لا نتصور أيضا أن يضطلع بهذه المهمة مجرد تعديل أو استحداث لنصوص قانونية أو تشريعية أو حتى دستورية، ما لم تسبقها وتتزامن معها ممارسة تعكس هذا الفكر وتلك المفاهيم الثورية بالنسبة لما هو قائم في بلادنا من صور ومفاهيم وممارسات.



ولبلوغ ذلك فنحن أمام واحدة من إثنتين لا ثالث لهما فيما نرى، أما الآولى فهي حاكم صاحب رؤية ثورية متجاوزة لما هو قائم ومتخطية حتى للامتيازات والصلاحيات التي يكرسها له النظام الحالي، يضع كل ذلك وراءه وينزل إلى الشارع ويخاطب الناس بلغة أخرى ويفرض على أجهزة الدولة ومؤسساتها أن تتضافر لترسم صورة جديدة للحاكم والسلطة في وعي الناس، وأما الثانية فهي نخبة صادقة مخلصة تقبض على تلابيب الحاكم والسلطة وتنزل به إلى الأرض بين الناس، فترد عليه وعلى بطانته كل أساليب وحيل الخروج به وبصورته خارج نطاق الدولة وحدودها وتصر على بقائه ضمن هذا وتلك.



إن التحدي الأول أمام النخبة في هذه الأمة - في السلطة أو خارجها – هو الوصول إلى رؤية واضحة حول مفاهيم الحكم والسلطة وعلاقتها بالناس ومصادر شرعية النظم، وتشييد كل ذلك على ركيزتين، الأولى تتمثل في التشريعات والدستور والقوانين التي تعكس هذه الرؤية الجديدة، ولا يجب أن يرهب أو يخوف أحد من الاقدام على هذه الخطوة بزعم أنها تهدد الأمن والاستقرار، لأننا لا نحسب أن صياغة المباديء والأهداف العامة يمكن أن تحدث هذا القدر من الاستقطاب المهدد للأمن والاستقرار، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فنحن لا نتخيل أمة بهذا الحجم وهذه الموارد والطاقات والكفاءات البشرية تعجز عن إبتكار الصيغة الحديثة للحكم والادارة وايجاد ضمانات صيانتها واستقرارها.

هذا عن الركيزة الأولى، أما الركيزة الثانية فهي مطابقة الممارسة والتطبيق للأطر والصيغ التشريعية والقانونية تمام المطابقة، لأن هذه الخطوة هي الكفيلة بتحقيق مصداقية التوجه وبث الروح في النصوص والقوانين التي تبقى موات ما لم يصدقها التنفيذ والعمل.

The comments are closed.