Friday, 03 June 2005
حكم البلطجية - وائل خليل
استيقظ مبكرا كالعادة وأجهز احمد ابني للمدرسة، احضر له إفطاره والسندوتشات، افتح الباب لننزل فالتقط الجريدة الملقاة على باب الشقة، وكما هي عادتي أقرأها ونحن في انتظار وصول الباص.
وزير الداخلية يصرح: منع المظاهرات والمسيرات لكل الأحزاب!
أذهب للعمل في ملابس شبه رسمية ولكن تصلح للمظاهرة وتصلني الرسالة على المحمول: موعدنا عند ضريح سعد! إذن فهذا هو تكتيكنا الجديد، لنفاجئ الأمن و"مظاهرات التأييد".. أتأخر في العمل لحل بعض المشاكل ولكن أنزل في موعد مناسب وعبر المحمول أتابع الوضع مع الأصدقاء: الوضع غير مطمئن، الأمن موجود ويتحرش بالمتظاهرين. أصل لموقع المظاهرة وأجد الحصار المعتاد ويبدأ الهتاف. يسقط يسقط حسني مبارك. وبعد دقائق يصل أنصار الرئيس، أطفال وشباب، نقف مجموعة بين الطرفين لنحول دون اختراق صفوفنا، وتنشأ درجة من التعاون مع بعض من أنصار الرئيس، أجدني مبتسما من هتافاتهم: اطلع بره يا جبان يا عميل الأمريكان، هذا من هتافاتنا، حركة التغيير قامت لمناهضة الأمريكان وعملائهم. تتزايد أعدادهم وينسحب الأمن! أفقد صوتي بعد دقائق قليلة كما هي عادتي وأحسد قادة الهتاف على مهاراتهم وعلى صمودهم. الوضع مستقر رغم تزايد الاستفزازات من أنصار مبارك ولكن نتفق على أنهم ينوون الاشتباك ونقرر الانسحاب لنقابة الصحفيين، موقعنا الأخير.
نبدأ في المغادرة وتنفتح أبواب الجحيم، أنصار مبارك وبتواطؤ الأمن يهاجمون المجموعات المغادرة، تهاتفني رباب صارخة: ألحقونا يا وائل بيضربونا وينقطع الاتصال قبل أن أعرف مكانهم. ندور كالمجانين لنعرف أوضاع الأصدقاء، يصرخ أحدهم: قبضوا على أحد الأصدقاء! أقول لنفسي حسنا على الأقل لن نقلق عليه. أهاتف زوجتي لأطمئنها، أنا بخير، حتى الآن.
نصل للمجموعة المحاصرة في شارع نوبار، أجد د. ليلي وعلاء ابنها محاصرين بالأمن والبلطجية ويتلقون الضربات، خاصة علاء، أجن وأذهب لأحد الرتب صارخا: أفعل شيئا، فيدفعني بعيدا، ونجد المجموعة الأخرى "محاصرة" داخل صيدلية. أجد بعض وجوه أنصار مبارك وأصرخ فيهم: هي دي المرجلة، فيرد أحدهم نحن والله نحميكم، وتؤكد عايدة على كلامه. خيرا. يصرخ في أخر: يا عملا ولا أقوى على الابتسام هذه المرة، من هم العملاء يا أخي، من الذي كان في واشنطن يتلقى الأوامر ومن الذي يستقبل زوجة بوش. وبينما يتكاثر أنصار الرئيس حولنا يتقدم ضابط أمن دولة، أعرف وجهه من مظاهرات سابقة، ويأخذنا بعيدا ويضع بعض مساعديه لحمايتنا، عاجبك كده، أسأله، فيشيح بوجهه في خجل، يتقدم ضابط ميري ويأمرني بالمغادرة فأصرخ لن نتحرك قبل أن يخرج زملائنا. وبعد نصف ساعة يغادر أنصار الوطني ونبدأ في المغادرة، أحادث رباب لأطمئن وأجدهم غادروا فعلا وتكاد تبكي: ضربونا جامد يا وائل، أعود للعمل وأهاتف زوجتي لأطمئنها مرة أخرى. اعرف أن من ذهبوا لنقابة الصحفيين تعرضوا للضرب والتعدي هناك وأيضا بتواطؤ الأمن.
تستمر المكالمات والأخبار وكلها متشابهة، الأمن يحاصر مجموعات صغيرة، ويفسح الطريق للبلطجية لأداء الواجب، وهناك استهداف خاص للفتيات والسيدات، هذه ليست مظاهرات لتأييد مبارك، هذه عصابات لتخويفنا.
أكمل اليوم يملأني الإحساس بالقهر وبالغضب.
ما هذا الإجرام، من أطلق هؤلاء الوحوش، هذا العنف الكامن وهذا الكبت، من سخر أتوبيسات هيئة النقل العام لنقلهم، من أصدر الأوامر للأمن لغض البصر عن المذبحة ومنع التصوير ومصادرة الكاميرات بل ولمساعدة البلطجية. ضابط الأمن عظيم الرتبة الذي تخلى عن واجبه ورضي أن يتفرج والبلطجية يضربون د. ليلي وعلاء ابنها ويدوسونهم بالأقدام، الضابط عظيم الرتبة الذي ساعد البلطجية ليضربوا الفتيات ويمزقوا ملابسهن ويسرقون نقودهن، الأمر غير المسبوق في تاريخ الحركة السياسية في مصر، هل هذا مفهوم نظام النفاق والبلطجة لدعم المشاركة السياسية للنساء؟
المسألة ليست في عضو حزب وطني هنا أو رجل أعمال هناك، هذه سياسة عليا، يشترك فيها الأمن ، والصحف ووسائل الإعلام وكل مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام، ورجال الأعمال بتوع السياسات. يا حكام هذا البلد، لقد تخطيتم الخطوط الحمراء وستدفعون الثمن غاليا.
يظهر صفوت الشريف على شاشة التلفزيون ويصرح، إن من دعوا للمقاطعة انهزموا. وأتذكر علاء ود.ليلى وجمال وكل من سالت دماؤه في هذا اليوم ووجدته مقتنعا بأن هذه أقل ضريبة واجبة، وأن لا حرية بدون ثمن، لا يا سيادة رئيس مجلس الشورى، نحن لم نهزم.
في شارع نوبار صرخ في واحد: لو البلد مش عاجباكم سيبوها...
ليس لنا سوى هذه البلد يا صديقي، ليس لنا غيرها، ولن نهدأ قبل أن نحررها من حكم البلطجية ...
وائل خليل
25 مايو 2005
22:50 | Permalink | Comments (0)
The comments are closed.