Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 03 June 2005

الفحاشين - طارق جابر

منذ عدة سنوات كانت دور السينما تعرض فيلما هوليوديا للمثل نيكولاس كيج بعنوان 8 مليميتر، وقد حدث أن حضرت عرض الفيلم بدعوة من صديقة صحافية متخصصة في النقد الفني والسينمائي، وقد كان الفيلم موضوع نقاش طويل بيني وبينها ( صديقتي الصحافية )، لم تزل خططه العريضة ماثلة في ذاكرتي إلى يومنا هذا.





الفيلم بإختصار شديد كان يدور حول سيدة يتوفى زوجها الثري وتجد في خزينة متعلقاته فيلم مصور على خامة 8 مليميتر، وهو نوع خاص من الأفلام يحتاج إلى آلة عرض معينة وباهظة التكلفة، المهم أن هذه الأرملة تفاجأ بأن هذا الفيلم عبارة عن فيلم بورنو سادي يتم فيه إغتصاب فتاة والتمثيل بها وقتلها في النهاية.



تكلف الزوجة المحقق ( نيكولاس كيج ) لفك لغز وجود هذا الفيلم في خزينة زوجها الرجل المهذب اللطيف الكريم، ومن خلال محاولة فك هذا اللغز يدخل الفيلم عالم صناعة أفلام البورنو والانحراف الجنسي بأشاكله، ويكتشف أن ذلك الرجل الفاحش الثراء المعروف بحسن الخلق والسيرة قد مول إخراج هذا الفيلم ليصوره مخرج منحرف المزاج ( نموذج بولانسكي الشهير ) لحساب هذا الثري الخاص، بمعني أن يصور الفيلم حتى يشاهده هذا الثري لمتعته الشخصية.



المهم أن رحلة البحث عن أبطال هذا الفيلم من المخرج المريض إلى الفتاة الضحية إلى السفاح الذي إغتصبها ومثل بها وقتلها في النهاية والكاميرا تصور كل التفاصيل، هذه الرحلة تنتهي بالمحقق إلى السفاح الذي قام بدور المغتصب القاتل، ويقدمه الفيلم في صورة انسان وديع الملامح ذو نشأة دينية ومنتمي إلى إحدى الجمعيات المسيحية الخيرية، بمعنى أنه شخص أبعد ما يكون عن صورة المجرم أو خلفيته أو دوافعه، تماما كذلك الثري الذي مول الفيلم لمتعته الخاصة.



وفي مشهد من المشاهد الأخيرة في الفيلم عندما يستدل المحقق على شخصية الجاني السفاح ويدور بينهما عراك يكاد خلاله السفاح أن يفتك بالمحقق يسأله المحقق هذا السؤال البسيط، لماذا يقتل؟ لماذا عذب تلك الفتاة المسكينة وفتك بها كما فعل؟ وتكون الاجابة الأكثر بساطة وتركيبا هي أن السفاح لا يجد شيء في الحياة أكثر متعة من النظر في عيني ضحيته وهو يعذبها ويقتلها ويراها في لحظة الفزع والانهيار واليأس.



**





كانت رسالة الفيلم هذه هي موضوع الحوار والنقاش الطويل الذي جمعني مع صديقتي الصحافية أثناء تناولنا القهوة بعد مشاهدة الفيلم، فقد كنت أرفض بشكل قاطع فكرة أن يقتل الانسان لمتعة أو يجد في تعذيب الآخرين لذة، بينما كان رأي صديقتي الرقيقة على العكس تماما، فهي ترى أن هناك بشر طبيعتهم جبلة على ذلك، وأخذت تستدل وتبرهن على رأيها من خلال تجاربها الشخصية والعملية ومنها تحقيقات أجرتها في البوسنة والهرسك أثناء حرب الصرب التي قادها ميلوسوفيتش ضد المسلمين، والتي شاعت خلالها ممارسات أحدثت صدى رهيبا في وقتها من قتل وإغتصاب جماعي وحقن المسلمات بمني الكلاب إلخ.



كانت صديقتي تقول لو أن المسألة مسألة قتل وتصفية وحسب لما إرتكب جنود الصرب هذه الأشكال من الانتهاكات، وهذا دليل على أن هناك بشر لهم طبيعة مختلفة، ربما نصفها بالمنحرفة أو نصفهم بالمرضى، لكن الحقيقة أنهم مجرد نوع من البشر بمزاج مختلف وتكوين شخصي ونفسي مختلف.



**



كان كلامها صادما لي بدرجة كبيرة، وأذكر أن النقاش احتدم في لحظات من فرط إنكاري لهذه الفكرة وعدم استيعابي لها، لكن الصدمة التي أحدثتها آراء وحكايات صديقتي لي جعلت الموضوع يعلق بذاكرتي طوال هذه السنين، قبل أن أجد من الشواهد والتجارب الشخصية ما لا يفسره سوى رأي تلك المخلوقة البديعة الرقيقة التي ما كنت أتخيل أن ينضوي عقلها على مثل هذه الحقائق المفزعة.



**



لعل أكبر صدمة عصفت بذهني لتنحت تلك الفكرة فيها بإعتبارها حقيقة كانت عندما عرفني أحد الأصدقاء على شاب كان بصحبته وجمعتني به جلسة عامة عابرة، وقد قدمه لي صديقي على أنه ضابط شرطة.



المفاجأة أتتني عندما تكرر رنين الهاتف الخلوي لذلك الضابط أثناء جلستنا، وقد لفت إنتباهنا جميعا تلك النغمة التي يرن بها هاتف الضابط وكانت غريبة وشاذة جدا كأنها صرخة زاعقة حادة توشك أن تشرخ ما حولها، حتى أن أحد الحاضرين إلتقط الفضول من عيوننا جميعا وسأله عن هذه النغمة، قبل أن تنزل علينا إجابته كالصاعقة عندما قال إنها صرخة إمرأة قام بتعذيبها وصعقها أثناء استجوابها في قضية.



شعرت عندها بغصة وتخيلت أن صفعة حادة نزلت على وجهي ومع ذلك كانت برودة عجيبة كأنها برودة الموت تتسرب إلى كل بقعة من جسدي، مصحوبة بقشعريرة، وتذكرت لميس ( صديقتي ) ونبرتها الحاسمة الواثقة في تلك المناقشة التي جمعتنا بعد 8 مليميتر.





**





في وقت ما قرأت رواية الراحل عبد الرحمن ونيف شرق المتوسط، وكانت رغم قيمتها الأدبية وهامة كاتبها الرفيعة ( صاحب مدن الملح وأرض السواد وقصة حب مجوسية والنهايات وشرق المتوسط ) من أشد الكوابيس التي عاينتها، والرواية باختصار كانت تدور حول تجربة معتقل سياسي مع التعذيب والاستجواب، تنتهي بموته من أثر التعذيب المستمر والوحشي.



لولا أن الواقع هو الملهم في هذه الرواية ومثيلاتها ( رواية الكرنك الشهيرة على سبيل المثال لعمنا نجيب محفوظ ) لدار عقلي في فلك اتهام الكاتب بالجنون والانحراف، وهل يمكن أن تطرأ على خيال كائن سوي أن يجري تعذيب كائن حي بغرس إبرة ضخمة في خصيته بعد عصرها في قبضته؟



كانت لميس تطل علي مع كل صفحة من صفحات الرواية، إبتسامتها واثقة، وسذاجتي أمامها لا يمكن إنكارها، والحقيقة أن هناك نوع من البشر يجد متعته في هذه الأعمال الوحشية الوضيعة، المتعة التي تخول وتلهم ملكات التفنن والابداع في صنوف القسوة والتعذيب.





**



يا لميس، مذ حوارنا الذي مثل صدمة لعقلي الساذج في حينها وأنا أتلقى الصفعة تلو الصفعة، والركلة تلو الركلة، بلا تمييز، فبينما تأتي الصفعات أحيانا على الأوداج أو على القفا، وتذهب الركلات غالبا إلى البقاع الحساسة المؤثرة، إلا أن فرط القسوة والسادية تحيل الصفعات أحيانا إلى قبضات لاكمة في الأماكن الحساسة من بدني وتنتهي بالركلات في وجهي وصدري.



تذكرتك يا لميس وأنا أشاهد صور يوم الاستهزاء الهزيل، تذكرت يقينك والدموع تترقق في عيني وأنا أرى ملامح الفزع وصراخ الضحايا التي أستبيحت حرماتها من أجل متعة الجنس الثالث وتصورت أن مجادلتي لك كانت محض حمق مني تعاقبني عليه الحقيقة بتكرار وتأكيد رأيك كل يوم وكل ساعة، وخيل لي أن الحقيقة تعاقبني على جهلي وتضغط على كل نقاط كياني الحساسة وتصعقني حتى أقر وأعترف بأن فكرة الفطرة الخيرة والطيبة لم تكن سوى خيالات طفل صغير على شاطيء محيط أسود.



**



رغم أني على يقين أن غعترافي لن يوقف مشاهد التعذيب في أي مكان، كما أنه لن يوقف تناسل هذا الجنس بيننا، إلا أن كاهلي ينوء بثقل الحقيقة يا لميس، وأتمنى أن أخر منهارا أمام محققي وأقبل أطراف أظافره الناصعة وألعق حتى برازه وبوله عله يتشفى وينال وطره ويوقف هذا المسلسل الرهيب.



لم أعد أحتمل يا لميس...لم أعد أحتمل.

Comments

فى دولة من دول العالم يحدث هذا واكثر يا استاذ طارق و قسم تانى مدينة نصر ليه موجود والظباط اللى اتسجنو من سنه وانت طالع لسه موجودين
اما بالنسبة للبشاعة فالبشاعة مش بتكون فىالفعل بس دى بتكون كمان فى رد الفعل السلبى واللى قاليتهولك الصحفية صديقتك واحد على مليون من اللى حصل فىالبوسنة ولا فى الشيشان ولا فى العراق وابو غريب ليس ببعيد

Posted by: Taher Amin | Friday, 10 June 2005

أنا سعيد أنني قرأت لرجل رائع مثلك.. يعرف كيف يعبر عن نفسه لأنه إنسان ملئ بالحب للبشر والحياة.. وهذا يكفيك شرفا..
أمير العمري
كاتب وناقد

Posted by: أمير العمري | Tuesday, 14 June 2005

يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه يا طارق كلامك علي قد ماهوه واقع علي قد ما هو موجع

Posted by: لبني | Wednesday, 15 June 2005

شاهدت الفيلم وقت عرضة و أستوقفتى كثيرا "السوند تراك" حيث الموسيقى حزينه و قاتمه و ذات نغمات"شرقيه" .. عربيه أو عبريه لا أتذكر جيداَ الآن و لكن أذكر أن مدة عرض الفيلم كانت طويلة نسبيا ً و كأن المعاناة مقدر لها أن تستمر لأطول فترة ممكنة, و كذلك معناتنا فى الواقع.. ودوماَ طويلة و لكنها لابد أن تنتهى ...... أصبر يا عم طارق أصبر...صحيح لســــه بـــادرى, بس بكرة تفرج.. قول يا رب

Posted by: Moushira | Wednesday, 15 June 2005

The comments are closed.