Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 13 May 2005

هدايا الحكومة - أميرة الطحاوي

كان يمكن ألا تحظى بتركيز إعلامي تلك التظاهرة التي دعت لها الحركة المصرية للتغيير-كفاية- يوم الجمعة الماضي دعماً للجمعية العمومية لنادي القضاة و مطالبهم بضمانات جادة لمراقبة الانتخابات الرئاسية المتوقعة في سبتمبر القادم،لكن الحزب الحاكم أبا إلا أن يصنع لها دعاية مجانية بتكراره "فعلته" قبلها بيومين عندما أتى بنساء و رجال و حتى أطفال و مراهقين لشتم ناشطي كفاية و منعهم من عقد مؤتمر صحفي بنقابة الصحافيين فكان أن احتل موفدو الحزب الحاكم سلالم النقابة،و ربما لم يكن يعرف معظمهم قبل ذلك اليوم أي نقابة تلك أو عنوانها أو ما معنى نقابة أصلاً، و هذا ليس ذنبهم فالإعلام المصري يقدم للمواطن معلومات فياضة في أمور لا تهم 90% منهم مثل آخر صيحات الموضة و لون العدسات اللاصقة المناسبة لفترة الصباح و تلك التي لا يصح أبداً وضعها سوى في السهرة،الإعلام الذي يهتم بتغييب وعي المواطن المصري في قضايا خلافية مملة مثل فتوى "تحريم زغرودة الفرح على لسان امرأة" أما رفع مستوى المشاركة السياسية فهذا ما يتجنبه، و بالتالي عندما يأتي من يقول للمواطنين البسطاء تعالوا هنا خونة اشتموهم فإن البعض سيأتي مصدقاً، و طالما استمرت القبة الأمنية الطاغية بالبلاد فإن البعض الآخر سيأتي مجبراً، و طالما استمر الوضع الاقتصادي المتدني فإن كثيرهم سيأتي طامعا في جنيهات معدودة.

يوم الجمعة الماضي إذن أصبحت المقابلة الثانية بين الفريقين - فاصلاً بينهما هذه المرة أسوار نقابة المحامين - مادة جيدة للإعلام الغربي الذي لم يكن ليستمر في إعطاء مساحة كبيرة في تغطيته لتظاهرات كفاية المكررة الإيقاع و المطالب لو لم يكن هناك جديد كالذي أهداهم إياه الحزب الحاكم.

كما أضاف النظام الكريم هدية أخرى لمعارضيه في نفس اليوم و ذلك عندما احتجز طاقم قناة الجزيرة الفضائية و منعهم من نقل وقائع مؤتمر نادي القضاة ،رغم أن نفس النظام قد رحب قبل 3 أيام بنقل القناة ذاتها لجلسة مجلس الشعب المصري و قبلها مؤتمر للحزب الحاكم،و أصبح خبر الاحتجاز و التعدي "متوازياً" مع مظاهرة كفاية و مؤتمر قضاة مصر الخبر الأول لمعظم وكالات الأنباء التي من حقها بالطبع أن تهتم بإبراز مواقف العواصم التي تدعي الريادة الإعلامية من المراسلين الموجودين على أراضيها و على "الميديا" أدبياً أن تتعاطف مع زملائهم على الأقل بإبراز خبر الاعتداء عليهم، كما ستكون مضطرة مهنياً أن تورد مناسبة و مكان و زمان ذلك الاعتداء بما يعني اهتماما أكبر بتظاهرة كفاية و مؤتمر القضاة حتى قبل أن يعلن الأخير عن قراراته.

الغريب أن الانتقاد الذي وُجه سابقاً لتظاهرة معارضة كونها ترفع شعارات بالإنجليزية، وقعت فيه تظاهرات الحزب الحاكم نفسه إذ كُتبت بعض عبارات تأييد النظام و شتم و تخوين معارضيه بالإنجليزية،بل و بلغة ركيكة و بأخطاء حتى في اسم الرئيس مبارك الذي هتفوا لأجله و رفعوا صورا قديمة له تعود لأوائل الثمانينات،و هذا التناقض و التخبط هدية ثالثة من الحكومة المصرية لمعارضيها.

و لست أخفي شخصياً تعاطفي الشديد مع بعض البسطاء ممن أُستخدمهم النظام للشتم و الردح نيابة عنه،فإذا استثنيت البلطجية،فإن هناك من بين المتظاهرين مواطنون مغيبون و نماذج صارخة للتردي العام الذي تشهده مصر الآن، لحد أن يخرج مواطنون من منازلهم يوم العطلة مقابل جنيهات قليلة و وجبة طعام و زجاجة مياه غازية غير مثلجة لأنها موضوعة في الباص الذي نقلهم منذ الصباح الباكر و حتى أُذن لهم بالرحيل في نحو الخامسة، فرغم أن تظاهرة كفاية داخل مقر النقابة انتهت قبل الثالثة عصراً موعد انعقاد الجمعية العمومية لنادي القضاة لعدم التشويش عليهم ولعدم تفسير التظاهرة المؤيدة "لهم"بأنها ضغط سياسي "عليهم"، فقد استمر متظاهرو الحزب الحاكم في التطبيل و الضجيج بالشارع على مسافة أقرب لنادي القضاة، فظهروا كمن يعطلون الاجتماع و يزعجون القضاة، و هذه أيضاً نقطة رابعة تُحسب لفريق كفاية، و كما ترون فالنقاط كلها و الهدايا أجمعها جاءت بسبب حسن تدبير الحزب الحاكم.

ومظاهرات الحزب الحاكم هي الثالثة من نوعها التي ينزل فيها للشارع المصري منذ ربع قرن لشأن داخلي و كلها ردا على مظاهرات مناهضة و تطويقاً لها، و يبدو أن تقدما طفيفا يمكن رصده في أداء هذا الحزب بالشارع، فبينما اكتفت المظاهرة الأولى له في 20مارس من هذا العام بترديد عبارات كنا نرددها صغاراً لسائقي باصات رحلاتنا المدرسية مثل " شيكايٌّو يا شيكايٌّو..مبارك مافيش زيه"، أو رددوا شعارات كان يغيظنا بها الأطفال في سن الحضانة مثل " يا محتاسين " و يا ميمون –قرد يعني-يا مجنون " و لم نكن نرد عليهم لأننا تعلمنا في بيوتنا أنه عيب و ما يصحش، أو هتافات كنا نطلقها ضد أعدائنا من الفرق الرياضية المنافسة من المدارس الأخرى مثل"قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا مهما تقولوا موش ها تفلحوا " فإنني أرى تقدما كبيرا يصل لحد القفزة أو الطفرة في شعارات الحزب الوطني بمظاهراتيه الأخيرتين في شهر مايو الحالي، فقد هتف أحدهم" العبيط أهوه.. العبيط أهوه"و هو تطور على أي حال،كما أن 3 أيام بين مظاهرة و أخرى لحزب استمر27عاما وراء الجدران ربما سيجده البعض نوعا من"حلاوة الروح" و ربما..غير ذلك ، و إذا استمر الحال هكذا فسوف تحظى حركة كفاية و الإخوان المسلمين و أي حزب سياسي معارض لنظام الحكم في مصر بالمزيد من النجاحات –الإعلامية- اعتمادا على مستوى أداء الخصم،لكن يبقى أن النصر لا يتم فقط بالمعارك الإعلامية.

The comments are closed.