Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 06 May 2005

العجل وقع هاتوا السكينة - مصطفى قيسون

عندما يسقط الطاغية ويُسدل الستار على مشهد نهاية الظالم كنا فى طفولتنا ندور فى شوارع القرية نردد فى نشوة " العجل وقع هاتوا السكين!".. تذكرت ذلك لحظة قراءتى للخبر

الذى أثلج صدرى وأعاد ثقتنا فى حُرًاس هذا الوطن كان الخبر فى صحف يوم الجمعة 29/4/2005 يقول "إحالة رئيس حي شرق مدينة نصر إلى محكمة الجنايات.. ضبط متلبسا بتقاضى رشوة"..
الحمد لله يمهل ولايهمل.. وأخيرا سقط الكبير لكن لازال الصغار يصولون ويجولون ليس فقط فى أروقة حى شرق مدينة نصر بل فى معظم الأحياء تحركهم الرشوة وتفوح منهم رائحة الفساد.. إننى لاأستطيع أن أدارى شماتتى فى مثل هؤلاء لأننى يوما ما لم أستطع أن أدارى دموعى من وقع الظلم والقهر على نفسى وعلى أولادى وأحفادى.. لقد تأخر قرار القبض على هذا المرتشى أكثر من عام.. أقسم بالله العظيم أننى على علم بأنه مرتشى منذ شهر يونيو 2004 أى مايقرب من عام كامل وكان ذلك من فم واحد من الحُرًاس الشرفاء لهذا الوطن عندما لجأت إليه لوضع حدا للإعتداءات على شخصى وعلى أسرتى فقال بالحرف:
- ريحته فاحت!
- طيب سعادتك.. ساكتين عليه ليه؟!
- هيقع.. هيقع!
كان ذلك عقب خروجه (زي الشعرة من العجين) بعد إيقافه عقب زلزال عمارة مدينة نصر الذى راح ضحيته مجموعة من شباب الشرطة الذين ينتموا للدفاع المدنى...
قد يتساءل القارئ العزيز مالى وهذا الرجل؟.. أو ربما يتبادر إلى الذهن أن هناك عداوة شخصية؟.. فأقول: إنها علاقة بين مواطن يدافع عن حقه فى حياة كريمة فى دولة المؤسسات فيلجأ إلى القنوات الشرعية التى يخولها له دستور بلاده ورجل فى موضع المسئولية من قبل دولة المؤسسات فيصطدم هذا المواطن بمجموعة من البشر جل همها جمع المال من أى طريق وليذهب كل البشر إلى الجحيم…
كنت أتمنى أن يحفظ الله لنا جريدة شباب مصر من عبث العابثين الذين ضربوا أرشيف الجريدة قبل شهر أكتوبر 2004 فقد كنت أود أن اشير إلى بعض الكتابات التى كنت أرسلها إلى الجريدة عن تجاوزات حي شرق مدينة نصر كشاهد عيان فقد احتوت إحدى هذه الكتابات على 24 صورة فوتوغرافية تفضح تقاعس الحي.. كانت هذه الصور لأنشطة تحت عمارة أسكن فيها لاتبعد كثيرا عن عمارة مدينة نصر المنهارة وتقع على امتداد نفس الشارع.. وبعد أن قدمت الشكوى تلو الأخرى للمسئولين عن الحي ليس هذا فقط بل تقدمت بشكوى إلى الأمن الصناعى وشكوى لمسئول البيئة وأخرى إلى محافظ القاهرة وغيرها إلى سكرتير رئيس الحي شخصيا بعد أن فشلت فى الحصول على إذن لمقابلة رئيس الحي من مكتب السكرتارية وكل هذه الشكاوى مرفق بها صور تنطق بالمخالفات حتى أننى ذهبت بشكواي إلى أحد مراكز حقوق الإنسان! وبعد أن طفح الكيل وتعرضت وأسرتى للإهانات سبا وضربا من أصحاب هذه الأنشطة (ورشة لإصلاح ماكينات طباعة وكوفى شوب يعمل لما بعد الفجر دون ترخيص!!) كأن البلطجة هى الحاكمة فى هذا البلد حتى أنهم لفقوا لى تهمة إتلاف سيارة أحدهم ولفقوا لإبنى تهمة الإعتداء على آخر وأتوا بشهداء الزور وبشهادة إحدى المستشفيات وبالمحاضر الملفقة ولم تفلح بلاغاتى للشرطة واستدعائى لشرطة النجدة ثلاث مرات لنصرتى فالمقولة السائدة دوما "وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء".. لم أجد أمامى إلا أن أرحل.. أهاجر!.. وفعلا تركت سكنى واصطحبت أولادى ومعى أحفادى أيضا الذين تركوا سكنهم فى نفس العمارة وكان ذلك فى وقت هم أحوج مايكون فيه للإستقرار النفسى فقد كان وقت إمتحانات آخر العام (مايو/ يونيو 2004).. هجرت المكان وحللنا ضيوفا على أقربائنا وأحبابنا الذين خففوا عنا وجففوا دموعنا.. لقد كان مشهد (الإنسحاب) من أمام العمارة يخفق له القلب ذكرنى ذلك بنكسة 67 والنداء الذى سمعناه فى الراديو "إلى وحدات جلال وحلمى عودوا إلى قواعدكم!" وكنت أيامها أعمل فى مدينة السويس والسكن لايبعد كثيرا عن قناة السويس وكان من السهل أن نسمع أصوات المجنزرات تفضح سكون الليل فتصيبنا القشعريرة وتدفعنا إلى البكاء "انهزمنا.. انهزمنا!".. إن مشهد إنسحابنا من أمام العمارة لم يختلف كثيرا فقد جاء لتغطية الإنسحاب مجموعة من سيارات الأصدقاء والأقارب يفوق عددها ثمان سيارات!.. وكان شرطى الوحيد هو الإنسحاب بلا مشاكل حتى لانفقد حقوقنا..
أرسلت استغاثة إلى جريدة شباب مصر عندما أحاطت بى كل هموم الدنيا.. وقفت بجانبى أسرة التحرير وآزرونى حتى أن رئيس التحرير بارك الله فيه نشر نداء أعلى صفحة الجريدة ينشد فيها المسئولين التدخل للذود عن أسرة لاجرم لها إلا أنها تبحث عن موقعا آمنا فى هذا البلد.. لاأنسى مطلقا مواقف كتاب وقراء هذه الجريدة الذين ساندونى فى محنتى بالكلمات المشجعة التى تعين على الصبر على البلاء فقد منحونى القوة أن أتصدى للباطل بشراسة...
وسط هذا السواد الحالك كانت النقطة المضيئة الوحيدة هي الكتابة إلى (شباب مصر) التى أصلحت من النفس المنهارة والقلب المفعم بالأسى وكانت أول رسالة منى لهذه الجريدة تحمل فى طياتها ذات الست صفحات المشكلة برمتها وقد نشرتها الجريدة بالكامل مع واحدة من الصور الفوتوغرافية التى ضمنتها الرسالة والتى تكشف بوضوح أعمال الورشة من الداخل أثناء ممارسة عملها دون ترخيص وقد التقطها منتهزا فرصة تواجد شرطة النجدة.. وقد اختارت أسرة التحرير عنوانا لهذه الرسالة هو "مواطن مصرى ينزع ورقة التوت عن مصر الأخرى".. وقد بدأت رسالتى هذه بكلمات هذا نصها " تذكرت وأنا أهم بالكتابة أن رجلا سقط من الطابق العاشر من إحدى العمارات وكلما مر على أحد الطوابق قال سكان هذا الطابق الحمد لله مازال هذا الرجل بخير!.. هذا يشبه حال بلدنا الحبيب الآن".. بعدها كتبت إلى الجريدة رسالة بعنوان " الإحتفال بيوم الهزيمة" ثم "سَـلٍمت أمرى لصاحب الأمر فى أمرِك" ثم "أعترف: إننى أتستر على إرهابى" وكل هذه الرسائل كانت تدور حول القهر الذى يمارسه بلطجة رأس المال الجديد الذى يسعى بكل السبل إلى التنمية الغير شرعية!
بكل دمعة سقطت من مقلتي.. وبكل الدموع التى انهمرت أنهارا من عيون أحفادى.. وبكل القلق الذى ودعنا به سكننا شهرا كاملا.. وبكل القهر والخوف الذى ملأ قلوب أولادى وأحفادى.. أتضرع إلى الله أن يخسف بك الأرض أيها المرتشى وبأمثالك.. أتضرع إلى الله أن ينزل عليك غضبه.. وأن يصيب أمثالك فى كل عزيز لديه.
الحمد لله.. على الرغم من أن باقى سكان العمارة يعملون خارج مصر ووقفت فى وجه الباطل وحدى إلا أن الله سبحانه وتعالى كان معنا ولم يتخلى عنا فقد كان الله مع الحق لأن الله حق.. لقد أخذت بكل الأسباب التى كانت باستطاعتى ولم أترك بابا شرعيا إلا وطرقته.. هذا الكلام الآن ليس لأمثالك من المرتشين بل للقراء الأفاضل.. لاتهنوا فى محاربة الفساد.. الفساد يستشرى لأن كل منا فلسفته القاصرة "أنا مالى.. خللينى فى حالى.. إمشى جنب الحيط..." إلى نهاية الكلمات اليائسة فى خنوع.. الدستور أيها السادة يخول لك الحق طالما تلجأ للقنوات الشرعية فلا تتنازل عن هذا الحق ثم تعود فتتباكى على اللبن المسكوب.. لم أتصرف من وحي خيالى بل طلبت مشورة (المحامى) فى مسألة التصوير فأفادنى أن ذلك ليس ممنوعا طالما فى محل عام فكنت أقف بالساعات فى شرفة شقتى أتحين الفرصة وأحيانا كنت أقف بسيارتى أمام أحد المحلين وأتصنع أننى أنظف سيارتى من الداخل حتى أجد الفرصة المناسبة للتصوير وكانت الحصيلة خمسة أفلام من النوع 35 مللى نتج عنها حوالى 120 صورة ناجحة مما جعل سكرتير رئيس الحي يصرخ فى المهندس المختص "طلعلى قرار غلق وأنا أمضيه فورا!!".. وفعلا أيها السادة تم توقيع قرار الغلق لكنه (اتلحس) بلغة الأبالسة!!

The comments are closed.