Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 29 April 2005

كلمة للولاية الخامسة - طارق جابر

كلمة الرئيس للتاريخ اختزلت الكثير من المعاني والدلالات وكانت أقرب في اخراجها ودوافعها إلى صورة الحملة الانتخابية منها إلى كونها شهادة للتاريخ أو حتى مقابلة أو حوار مع رئيس دولة يتعرض فيه – جديا - للقضايا الجارية التي تشغل الرأي العام والشارع السياسي.



لعل أول ما يسترعي الانتباه – قبل الدخول في صلب الحوار – هو ذلك التمهيد الدعائي المحموم الذي سبق اذاعة الحوار على مدى أيام مستميتا في محاولة حشد أو جذب المشاهدين حول شاشات التلفزيون لمتابعة كلمة الرئيس ليس فقط عن طريق الاعلان المتكرر والمفخم عن الحوار ولكن باستخدام بعض عناصر التشويق والاثارة الدعائية من نوع وجود مفاجأة أو مفاجآت كبيرة سوف يعلن عنها لأول مرة وكذلك الحديث عن أن الرئيس سيجيب بشكل مباشر عن سؤال ما إذا كان سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة.



كذلك يسترعي الانتباه استعانة الرئيس بكفاءات مشهودة في مجالات الدعاية والاعلام والموسيقى والتصوير والاخراج، الأمر الذي أوحي بدوره بقدر كبير من التشويق والاثارة، وهو ما أعطى ايحاء كبير مع اسلوب الدعاية بأن المتفرج مقبل على مشاهدة فيلم سينمائي مكتمل العناصر أكثر مما هو حوار رئاسي أو كلمة للتاريخ.



الحقيقة أن الملاحظتان السابقتان لا تخلوان من مؤشر ايجابي يتمثل في أننا بصدد حملة دعاية انتخابية رئاسية تختلف بهذا القدر أو ذاك عن الصورة التقليدية للحملات السابقة المصاحبة لاستفتاءات التجديد، وتكفي الاشارة هنا إلى شكل حملات التجديد السابقة والتي كانت مجرد تكثيف لنمط الدعاية المبتذل والمتصل عبر الجهاز أو المؤسسة الاعلامية البيروقراطية المصرية باستخدام وسائل بالية وممجوجة سواء في برامج أوأحاديث ومقالات الانجازات المعروفة على شاشة التلفزيون المصري وصفحات الصحف الرسمية، في حين أن تدشين ما نعتبره حملة الدعاية الانتخابية للرئيس مبارك في الانتخابات القادمة قد جرى بعيدا عن أساليب وأدوات الجهاز البيروقراطي العتيقة والمهترأة لصالح الاستعانة بكوادر على درجة كبيرة من الاحترام والمهنية والتطور في الاساليب والأدوات، وهذا في حد ذاته ملمح جديد يعكس درجة من التطور حتى وإن كان على مستوى الشكل في تعامل النخبة الحاكمة مع مسألة استمرار رأسها في مقعده وشكل الدعاية الانتخابية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف.



ثم إذا تركنا هذه الملاحظات المبدئية التي سجلناها على التمهيد للحوار وعلى الأسلوب الجديد من حيث الشكل في اخراجه وتصويره وتقديمه، إذا تركنا هذا ودخلنا في صلب الحوار ذاته فقد يكون بامكاننا تسجيل بعض الملاحظات الاضافية أو لفت الانظار إلى بعض النقاط كمدخل لتحليل الحدث والوقوف على دوافعه وغاياته ومن ثم فهمه بأكبر قدر من الدقة والوضوح.



ومن الأهمية بمكان قبل أن نستطرد في تسجيل ملاحظاتنا أن ننوه إلى أننا لا نتناول أو نحلل هنا مسألة شخصية تتعلق بشخص الرئيس بقدر ما نتناول ونحلل مسألة موضوعية ترتبط بطبيعة النظام ومحاور فكره ومحددات سلوكه ومرتكزات فلسفته،. كذلك فقد نعرج خلال هذا التحليل على مسألة أخرى ذات صلة وهي دور وعلاقة المثقف بالسلطة ومدى تكريس كل من السياسي والمثقف لهذه العلاقة من أجل شبكة المصالح المشتركة، ولعلنا ننوه أيضا إلى أن هذا وذاك يضعنا في بؤرة صورة أكبر ومفهوم أكبر لكلمة النظام تتعدى حدود السلطة وتمتد لتشمل عموم الفكر والثقافة السائدة من رأس الدولة إلى أخمص قدمها.



إن أول ما يلفت نظرك وأنت تقوم بمراجعة بانورامية لحوار السبع ساعات هو أن القسط الأكبر من الحوار انصب حول مسائل وأحداث تنتمي كلها إلى الماضي، وربما ياستثناء الثلث الأخير من الحلقة الأخيرة من الحوار فإن الحوار اجمالا تمركز حول حدث واحد رئيسي هو حرب أكتوبر وأحداث أخرى رئيسية أيضا ولكن تالية كمسيرة السلام ومعاهدة كامب ديفيد ومحاولة الاغتيال الفاشلة في أديس أبابا وحرب تحرير الكويت، وقد تم غزل التناول لكل هذه المسائل حول محور واحد هو تتبع وبروزة السيرة المهنية للرئيس مبارك.



لعلنا لا نضيف إلى القراء معلومة جديدة إذا قلنا إن كثير من علماء ودارسي وباحثي العلوم السياسية والتاريخ المعاصر لبلادنا يقسمون هذا التاريخ السياسي المعاصر من حيث أنظمة الحكم والعهود المتتابعة إلى نظام ما قبل ثورة يوليو 1952 وكانت الشرعية فيه مستمدة من النظام الملكي البرلماني حتى أتت عليها حركة الجيش وانقلاب الضباط الاحرار، حيث تم تدشين نظام سياسي جديد اكتسب شرعيته من حدث الانقلاب العسكري والثورة الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت عليه، وظلت شرعية يوليو هي دعامة الحكم حتى أتت عليها نكسة 1967 فوضعت النظام بأكمله في مأزق البقاء والفناء، ثم تلت ذلك حقبة الرئيس الراحل أنور السادات الذي ورث مأزق نظام الحكم وتركة الهزيمة قبل أن يتمكن من قيادة العبور ليؤسس لحقبة جديدة اكتسبت شرعيتها من نصر أكتوبر ورد الاعتبار للشعب والقوات المسلحة.



والملاحظ هنا أن كل أسس شرعية الحكم منذ انقلاب يوليو العسكري كانت أسس ظرفية وزمنية لم يتمكن صناعها من تجاوزها قبل أن تتجاوزها وتتجاوزهم معها الأحداث، فنظام ما بعد يوليو 1952 ظل متكئا على شرعية الحدث التاريخي ولم يطورها إلى شرعية سياسية راسخة ومستقلة عن الحدث الذي كان شيئا فشيئا يتحول إلى تاريخ ومن ثم يفقد صلته بصيرورة الحياة ومن ثم أيضا قدرته على ادارتها والتعامل مع مشاكلها ومستجداتها.



ونفس القصور تكرر بعد صناعة شرعية أكتوبر التي استندت إلى حدث العبور والنصر وتوابعه من مفاوضات ومعاهدة سلام ومحاولات لتحقيق النهضة والتنمية والسلام، ولكن صناع أكتوبر لم يتمكنوا أبدا من تجاوز شرعية الحدث وتوابعه بتأسيس شرعية راسخة تقوم على فكر سياسي حقيقي ومتطور وعصري قادرة على ادارة موارد البلاد وتحقيق مصالح مواطنيه وتطلعاتهم.

ربما تحتاج هذه الفرضيات إلى تحليل مستقل، ولكن وحتى لا نخرج عن سياق الموضوع الرئيسي هنا وهو كلمة الرئيس للتاريخ تكفينا الاشارة إلى ما سبق باعتبارها محض فرضيات على أن نعتمد تحليلات كثير من الثقات بخصوص شرعية الحقب السياسية في تاريخنا المعاصر.



من هنا نجد أن شرعية النظام في حقبته الحالية هي بالاساس مستمدة من ومرتكزة إلى حدث أكتوبر 1973 وتوابعه من أحداث كما سبق الاشارة، دون أن يحدث أي تأسيس منهجي وفكري وفلسفي لشرعية حكم مستقرة ومستقلة عن مفهوم الحدث الزمني مهما بلغ وزنه وضخامته وعمقه بل وأثره في سياقه التاريخي والمعاصر، ومن هنا نفهم ونفسر استحواذ موضوع اكتوبر والعبور على القسط الأكبر من كلمة الرئيس في حواره التلفزيوني.



نحن إذن هنا أمام محاولة واضحة – رغم أنها ليست بالضرورة صريحة أو مباشرة – لاستنطاق واحياء الحدث الذي يمثل مرجعية النظام والحقبة بأكملها ومحور شرعيتها السياسية واستمرارها في الحكم.



الملاحظة التالية لمضمون الكلمة والحوار هي منهج الحوار ذاته من حيث هو أداة في يد مجموعة من المحترفين المهنيين في مجالات الدعاية والاعلام والاخراج بكل عناصر هذه العلوم والفنون، وكيفية توظيف هذه القدرات ومن أجل أية غاية.



لن نختلف كثيرا في أن الساحة المصرية تشهد على كافة صعدها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والدينية ملفات وقضايا ملتهبة ومفتوحة وتثير كما لا بأس به من الأسئلة التي كانت كلها كافية لبلورة حوار أو مقابلة تلفزيونية ثرية مع أكبر مسئول سياسي و تنفيذي في البلاد، وذلك لثلاث اعتبارات على الأقل، أولها أن الرئيس في غمرة معركة بقاء في السلطة شرسة ومشتعلة وهو بحاجة حقيقية إلى كسب الرأي العام على أسس معقولة ومنطقية، وثانيا أن الشعب يتطلع إلى اجابات شافية توضح له رؤية القيادة السياسية وتحل تلال علامات الاستفهام التي تربكه وتحيره وتسد أفق الرؤية والمستقبل أمام ناظريه، حتى وإن تم ذلك في اطار رؤية شخص الرئيس -الذي يفترض أن يكون مرشحا بين عدة مرشحين في انتخابات حرة - لهذه القضايا، أما الاعتبار الثالث الذي كان يفترض أن يضفي قدر أكبر من الجدية على منهج الحوار فهو حرفية القائمين عليه أنفسهم والذين ما كان لهم لو تحروا مضمون حرفهم وفنونهم كما تحروا أساليبها وأدواتها أن يحيدوا عن فتح كل الملفات الكبرى التي تشغل الناس.



والنتيجة التي تؤطرها هذه الشواهد هي أننا أمام نظام يلتمس البقاء وعينه على المستقبل بينما أرجله مغروسة في الماضي، أو بتحديد أكثر مطمورة في حدث كبير محوري من هذا الماضي، الأمر الذي يخلق التناقض البين بين تطلعه إلى المستقبل وصدور خطابه عن الماضي ومنه، وكأنه رجل يسير بظهره إلى الأمام، فلا هو قادر على تبين موقع رجله أو التمهيد لموطيء قدمه ولا هو من ناحية أخرى قادر على تجاوز الحدث التاريخي أو الماضي.

كذلك تؤطر هذه النتيجة طبيعة علاقة المثقف أو الحرفي أو الفنان بالسياسي بما هو انعكاس لقابلية كل من هو خارج دائرة السطلة للوقوع في أسرها وتسخير ما يملك من خبرة أو معرفة أو رصيد فني وثقافي لخدمتها، واستعداده للعب دور الأداة الطيعة لأغراض التدليس والتحايل دونما وعي حقيقي بطبيعة وتمايز دوره ودون ادراك لاملاءات الضمير سواء بدافع الانتماء الأكبر لهذا الوطن أو حتى الانتماء الأصغر للمهنة ووظيفتها، وهذا رغم أن المثقف يبقي في التحليل الأخير صاحب اليد السفلى في هذه الصيغة المشبوهة لعلاقته بالسياسي كما أنه – أي المثقف – لا يبرح كونه الضحية أو المطية بالنسبة للسياسي أو السلطان.



أخيرا وإذا وصلنا إلى الثلث ساعة الأخير من الكلمة والتي بدأ المحاور فيها يعرج على قضايا تنتمي إلى الحاضر وتقع في بؤرة اهتمام الناس، حيث يفترض أن تفرض طبيعة الموضوعات بعضا من الجدية على شكل الحوار ينعكس في نوعية الأسئلة وطريقة ادارة الحوار، ولكن حتى في هذا الجزء من الحوار سنجد أن صورة الحوار لم تتبدل جذريا كما توحي طبيعة المواضيع بحيث يقف المحاور في جانب المشاهد أو الرأي العام مقابل الضيف بحيث ينقل بشكل مبدئي أسئلة المشاهد ثم يتحرى أن يمثل ثانيا تداعي أفكاره – أي المشاهد – في مقابل الاجابات التي يتلقاها من الضيف والتي قد لا تكون على قدر كبير من الاقناع بالنسبة للمتفرج أو التي تفتح أبوابا لمزيد من الأسئلة لمحاصرة الضيف نحو مزيد من التفصيل أو التعمق بما يخدم غاية اقناع المتفرج بتغطية كافة الجوانب المطلوبة كما يفترض في دور المحاور المحترف الناجح.



لكن ما حدث أن المحاور لم يبرح موقعه – بالمنعنى المجازي لا المادي – إلى جوار الضيف وفي كتفه، فكان الضيف والمحاور في مربع والمشاهد في المربع المقابل يلعب دور المحاور الصامت الذي تكبت أو تجهض الأسئلة في قلبه بلا اجابة.

وقد بدى في القسم الأخير من الحوار واستمرارا لمنوال المحاور في الانحياز للضيف على حساب المشاهد – ولم لا والضيف رئيس مبجل بينما المشاهد مواطن نكرة – نقول أنه بقدر ما بدت بعض الأسئلة جريئة في صيغتها ومضمونها في الثلث الأخير من الحلقة الأخيرة من الحوار بقدر ما كانت الاجابات مكررة وغير كافية لتغيير قناعات المتفرج بحيث تختلف رؤيته أو موقفه من الضيف أو من المسألة المطروحة بعد الحوار عما كانت عليه قبله، وفي هذه اللحظات برز الدور الحقيقي للمحاور بشكل لا لبس فيه ومن ثم برزت دوافع الحوار وغاياته، إذ كان المحاور المحترف يتلقف المعنى المطلوب ابرازه من الضيف ليعيد بروزته وصياغته في الشكل الأدبي والاعلامي البراق، وقد تكررت هذه العملية بطول الحوار وعرضه حتى بدى أن المحاور يستنطق الضيف ليتلقف منه طرف خيط فيغزل به أكلاشيه دعائي رنان.



إن ما نريد أن نقوله هنا بعبارة أخرى هو أن الحوار في كل تفصيلاته وأجزائه ومن خلال كل الأسئلة المطروحة كان دائما يبدأ ويراوح و ينتهي حيث يريد الضيف لا حيث يريد المشاهد، وهذه أداة بسيطة وواضحة يمكن لكل قاريء تابع الحوار أن يطبقها عليه ليرى مدى صدقها من عدمه.



الآن إذا إنتهينا من حيث بدأنا بالعودة إلى حملة التشويق والاثارة التي سبقت اذاعة كلمة للتاريخ، وبعد أن أذيع الحوار فلم نجد لا مفاجأة كبرى ولا مفاجأة صغرى ولا حتى إجابة السؤال الذي أريد له أن يتحول بحد ذاته إلى أداة اضافية للتشويق والاثارة، السؤال حول ما اذا كان الرئيس قد اتخذ قراره في خوض الانتخابات الرئاسية والذي لعب عليها الاعلان ثم اتضح أنه المسألة لا تعدو ما تمارسه صحف الاثارة من اطلاق عناوين مثيرة لجذب انتباه القاريء حتى إذا تم استدراج الأخير للقراءة وجد أن موضوع المقال لا يمت بصلة لعنوانه، ولا ترتقي فوق ما خبرناه من أساليب دعاية مارسها منتجوا أفلام المقاولات لجذب جماهير الترسو بأفيشات ساخنة بها قمصان نوم ساخنة وقبلات ملتهبة فإذا دخل الزبون دار العرض لم يجد لا قصة ولا مناظر.



الغاية، نقول إنه ربما يكون مبتكري فكرة هذه الكلمة قد نجحوا في جذب الكثير من المشاهدين بما لهم من سمعة مهنية وبأساليب الدعاية التي استخدموها وقبل هذا وذاك بثقل ووزن الضيف طبعا، لكن الذي يبقي محل شك هو نجاح فكرتهم وتحقيقها لغايتها والمراد منها.



وأخيرا من أجل أولئك الذي انتظروا الحوار أملا في المفاجأة أو اجابة السؤال نقول لهم قد يكون الحوار خالي فعلا من المفاجآت وقد لا يكون الرئيس أجاب على السؤال، لكن المؤكد أن كلمة للتاريخ قد أجابت ووفت، وكل لبيب بالاشارة يفهم.

Comments

بسم اللة الرحمن الرحيم
ان تنصروا اللة ينصركم ويثبت اقدامكم
صدق اللة العظيم
السلام عليكم سيادة الرئيس محمد حسني مبارك انا واسرتي نبيعك علي رئاسة قدام ان شاء اللة
يا رئيس انا طالب جامعي ومقدم لكلية الحربية والشرطة وكل ما اقدم يرفوضوني ومفيش سبب انا نفسي ابقي من رجالت حضرتك انا دلوقتي مقدم لكلية الحربية0
واللة الوفق
الاسم:ايمن مدحت احمد محمد
رقم القيد لاختبارات:5016
المحافظة:المنيا/ملوي
ت/0862648770

Posted by: ايمن مدحت احمد محمد | Wednesday, 24 August 2005

The comments are closed.