Ok

By continuing your visit to this site, you accept the use of cookies. These ensure the smooth running of our services. Learn more.

Friday, 15 April 2005

مفجر الازهر ما زال حيا - طارق جابر

صورة أشلاء الشاب الذي قضى في حادثة الأزهر الشريف جرحتني، الشاب الذي نفذ العملية أعني.

وزاد من عمق شعوري بالألم أنه شاب أولا، وأنه في الثامنة عشر من عمره ثانيا، وأنه طالب هندسة ثالثا.



أعرف أن الحادث مستنكر وأليم، ولا أحد يوافق عليه أو يبرره تحت أي مسمى، ولكني لا أملك مع معطيات هذا الحادث سوى أن أتجاوز حد الاستنكار والرفض لأنظر من زاوية أخرى لشاب أقرب لعمر الصبى، نابه ويدرس الهندسة، ويقدم على تفجير نفسه بقنبلة بدائية شطرت جسده الغض وشيعته إلى المجهول قبل أن تصيب أي من شظاياها أي من الضحايا الأبرياء.



ما أقدم عليه هذا الشاب بحاجة إلى وقفة ودراسة يا سادة، فأوصاف المجرم لا محل لها هنا، لا تنطبق عليه، ولا أوصاف المختل العقلي، ولا حتى أوصاف الكادر الموظف الذي ينفذ ما يأمر به.



نحن لسنا أمام مجرم بأي معنى من المعاني، وهنا مكمن الخطورة، وضرورة النظر والتأمل.



من يقف في القفص هنا شاب غاضب، غاضب جدا، ولديه أسباب وجيه جدا للغضب، أسباب تقر في قلب كل واحد منا، قهر سياسي، عوز مادي، ضغط إقتصادي، فساد إجتماعي، إمتهان خارجي، ضياع وجودي، وبحث حثيث عن مخرج أو حل، ولا أفق لحل ولا بشائر لمخرج.



ومع قضية هذه معطياتها وملابساتها فإن أسوأ شيء يكون التعامل السطحي معها بإعتبارها جريمة قتل أو إرهاب، في حين أنها قضية أمة مأزومة تتراكم في داخل كل فرد فيها الإحباطات عبر كل لحظة وساعة ومن خلال كل حاسة وجارحة ولا يوجد متنفس أو بارقة خلاص.



قد تكون كلمة الخلاص هي مفتاح هذه القضية، وقد يكون هذا الشاب قد إختزل قضيتنا جميعا، قضية أمة تبحث عن الخلاص.





والمفارقة الأخرى التي جعلت من شارع جوهر القائد في قلب قاهرة المعز على بعد خطوات من الأزهر وخان الخليلي ومسجد الحسين وكل المعالم التي تشكل جزء من حضارة وثقافة هذه الأمة، أن يكون هذا هو مسرح العملية لأمر يجب رصده وإن وقع إتفاقا.



إن الشاب الذي ربط حزام متفجر بدائي حول جسده ليفجره وسط مجموعة من السياح لم يخطر بباله الضرر الذي قد يلحقه بفعلته بأي أثر قريب من موقع التفجير في مسرح حدث عبق ومليء بالآثار والمعالم، وهذه ملاحظة لها أكثر من معنى، منها أن كل تركيز هذا الشاب كان منصبا على قتل أؤلئك السياح، ومنها أنه قد غاب عنه كلية في غمرة إنهماكه احتمالات تدمير تراث إسلامي ينتمي للدين الذي ربما وجد فيه الشاب المبرر لعمله، أو لعله لم يعبأ أصلا بتدمير المكان في سبيل قتل بضعة سياح أجانب.



ألا يرسل لنا هذا إشارة مفادها أننا لن نعبأ بتدمير ذاتنا وتراثنا وحضارتنا تحت وقع الكبت والغضب وبدافع الانتقام والبحث عن خلاص؟.



ألا ترسل لنا هذه المفارقة إشارة بأن الإنسان المحبط والغاضب والمقموع والمضطهد لا يقيم وزنا حتى لذاته وتراثه وأنه قد ينتهي إلى تدمير ذاته بالانتحار وتدمير معالم حضارته ضمن ما يدمر؟





الخلاص الذي وجده الطالب حسن رأفت أحمد شندي – 18 سنة، طالب هندسة - في تفجير نفسه وسط مجموعة من السياح في قلب منطقة من أعز معالم بلادنا وجده محمد أحمد مبارك – 40 سنة – بشنق نفسه بسلك معدني أسفل كوبري فيصل على مرأى من المارة لأنه فشل في الحصول على عمل يقتات منه.



إن مفارقة الفاصل الزمني الضئيل بين الحادثين لا يجب أن تغيب عن عقولنا حتى ندرك السياق الذي يشمل سلوكنا ويحكم مصائرنا بأوضاعنا وأوجاعنا الحالية.



إن الإنسان يموت في بلادنا يا سادة، إنسانيته وآدميته تحتضر وتداس بالنعال كل يوم، تداس بألف نعل ونعل.

الإنسان يتفسخ في بلادنا يا سادة، تطير أشلاء كرامته وحريته وحقوقه قبل أن ينثر هو أشلاء جسده بالمسامير أو يعلقه أسفل كوبري أو حتى يلقي به النيل.



هل هؤلاء جناة يا سادة؟ هل هم مجرمون؟ وهل من فرق كبير بين حسن رأفت أحمد شندي ومحمد أحمد مبارك وعبد الحميد شتا وباقي القائمة؟



في رقبة من دماؤهم؟ في رقبة من دماء أبناء وطن تهرق كل يوم وأرواح تزهق كل يوم وصمت قبور يخيم على الجميع.



إننا نموت يا سادة....نحتضر....نذوي...نغرق في دمائنا...تبلعنا رمال وطننا الذي تحول إلى صحراء....



فهل من مجيب...هل من مغيث.

The comments are closed.