Friday, 10 June 2005
الليل ونظارته السوداء - يوسف فضل
الليل يضع نظارة سوداء
فكر فيما سوف تكون عليه في الغد .. فالأمس مضى ، واليوم يوشك على الإنتهاء .
بلزاك
" خير اللهم أجعله خير " هذا ما ردده لسان أبو فلان من دعاء وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة بعد أن استفاق من نومه مفزوعا مذعورا تنـز بصيلات شعر جسمه نحو الخارج ما استطاعت من ماء مالح . لَإن يعيش الإنسان الشاعر داخل جوف الليل والقمر محاق يجعله يتغزل بجمال اللون الأسود لأن البعض يعتبر أن اللون الأسود هو أساس لون الكون وأن النور طاريء عليه . لكن أبو فلان كان يسبح في مياة بركة حلمه الراكدة وهو يضع نظارة اطارها أسود وعدساتها بلون أسود ويخرج في سكون الليل الدامس مع من يدب على أديم الأرض من بشر وهوام كافة في صعيد واحد ضارعين إلى الله أن يخرج لهم الشمس في الليل وليس القمر فهذا يحتاج إلى تفسير مثلما تحتاج كثير من امورنا الحياتية إلى وقفات تحليلية محايدة !
كان أبو فلان قد دخل في ربوع العقد الخامس من العمر معتادا العيش في أجواء ملبدة بغيوم الغم والقهر والعذاب وهو يضرب الدنيا يمنة فتأتيه الدنيا من اليسار .إن أعظم انجازاته التلقائية هو الاشتراك في مجال الإنتخاب البيولوجي مع أدنى الحيوانات مثل وحيدة الخلية في المحافظة على التوازن البيئي وظهور نتاج المسار الطبيعي التناسلي بتأسيس أسرة من خمسة أبناء لكن التوازن الاقتصادي لم يأت حسب مخططاته . إذ أن التأثيرات الجانبية لخطط مكافحة الإرهاب الأمريكية طالته بأن أنهي عقد عمله مع احدى الشركات الأمريكية العاملة في خليج العم سام (العربي) تحسبا من أن تأخذه (العزة بالإثم) فيفجر نفسه في إحدى المصالح الأمريكية ، وهو يميل إلى الانتحاب لما يحفظ عن ظهر قلب ما يكرس العنصرية للمثل العربي القائل :" يا غريب كن أديب " لكنه رد التهمة بأنه من بني بلجيك ( تيمنا بالشعب البلجيكي القليل العدد والعدة الحربية أثناء الحرب العالمية الثانية لكنه قاوم القوات النازية مدة 13 يوم بينما انهارت فرنسا في خلال 6 أيام ) الذين لا تثق بهم أمريكا .
لم يعد هناك ما يمكن أن يخسره أبو فلان بعد احتراق الكوفية الفلسطينية في ساحات مسرح "نضال السلام العالمي" وأستبدالها بقبعة اليارمولك اليهودية التي أصبحت مثل الأغاني العربية الهابطة منتشرة كزي سياسي يُفتخر بها في كافة أروقة دهاقنة الساسة العرب مع أن ارتدائها من قبل بعض الساسة قد يجلب زيادة قصيرة في طول مسافة أرصدتهم البنكية وكما يتدهقن الساسة في رام الله المحمية بالحرامية الذين يريدون أن يتعلموا شيئا ولن يتعملوا لأنهم يعيشون في اجازة سياسية رومانسية حالمه لكن حالكه أكثر من حلم أبو فلان لأنه لن يتحسن مستوى معيشتهم أو يتطور شعبهم .
من الممكن الحاق الهزيمة مؤقتا بالشعب العربي لكن ليس من الممكن أن يعترف الشعب العربي بالهزيمة ، فالضربات القوية تهشم الزجاج لكنها تصقل الحديد فضلا عن أن مساحة قبعة اليارمولك أصغر من حجم الرأس لكن ألا تُعرف عفونه السمكه من رأسها ؟ أم يطمح الساسة العرب أن يكونوا مجرد وكلاء منتجات التنين الإسرائيلي ، التي تجلب لنا ( المستهلكين العرب ) الأمراض الجسدية والاقتصادية ؟ وهو ما ينطق به الواقع الحالي .ألم يعيشوا طوال الفترة السابقة دون ارتداء قبعة اليارمولك ؟ لكنه ضرب من البله السياسي في التنافس على ارتداء هذه القبعة الذي لا يحتاج إلى تفسير أو مبرر كما يقول المثل الانجليزي : إن العاقل له عينان تبصران ، أما الأبله فله في وجهه تجويفان " وأن اتقاء الشر عندهم قائم على قاعدة " كل شيء حيثما اتفق ". لقد تأثروا بسياسة ازدواجية المعايير الأمريكية فاصبحوا يحرصوا على المال الخاص بهم أكثر من المال العام كما وأن رأس المال المادي لديهم أكثر أهمية من رأس المال البشري بالاضافة إلى الاعتقاد بترسيخ بطولة القائد الأوحد الذي يعرف كل شيء فيطغى على بطولة العمل الجماعي .
أرتد غيظ أبو فلان إلى الداخل جراء فهمه لهذه اللوحة التشاؤمية مما جعله يعاني من ثقل ديناصوري لظل زائر قدم على حين غفلة فاستوطن جسمه ،كما استوطن أبناء التيه وطنه ولم يقدر على مقاومتهم فورث التيه عنهم ، لكنه أخذ يقارع زائر الجسم بحبوب دياتاب لتنظيم سكر الدم .
تتكون سلسلة حياة أبو فلان من حلقات الانتقال باعتزاز المهزوم من مصيبة إلى أخرى ومن عملية نصب عليه إلى أخرى فيرفع أمره للقضاء الشرعي الذي لا زال ينظر في انصافه وهو ينتظر على رصيف العدالة العربية الطويل آملا ليس بارجاع حقه بل بتقصير فترة اجراءات تنفيذ العدالة .
ذهب إلى الامارات لتغيير مسار قدره وختم تأشيرة الاقامة على جواز سفره المؤقت تاريخيا وعربيا والدائم معاناة وبعدا عن النص الإنساني في اتفاقيات أوسلو وحقوق الانسان داعيا وراجيا أن يوفق عديله بافتتاح مشروعه التجاري ليجد له قاعدة اقتصادية لينطلق منها بمسيرة كفاح جديدة ليطرد الفقر ، لكن مشروع عديله التجاري مثل مشروع الحل الفلسطيني تأجل إلى اشعار آخر .
يمثل أبو فلان في حالة التردي العربي الرسمي حالة تكتل لظاهرة ليس لها القدرة على الاستفادة من التجارب وهو يتمتع بفهم غريب عن تسلية الحياة لأن فصوص دماغه مسكونة بتساؤلات مثل " لا أدري متى سيفرجها الله علي ؟" ليس من باب الاعتراض على قضاء الله بل طمعا في استجابة دعائه ونيل رحمة الله . فكر بحل مؤقت لمشاكله بأن يرفع خطاب لقادة السلطة الفلسطينية أو أحد القادة الأسلويين يطلب منهم كرما وليس أمرا أن يعوضوه ببعض المال من ارث رئيس الحرس القديم سبط الزور والبهتان لفاطمة الزهراء ولو ألفوا ألفية كتب حول نسبة وأصله وفصله لما استطاعوا ان يثبتوا نسبة حتى إلى أبي لهب . فقد كان أبو فلان بواعز من ضميره الحي زبونا دائم التردد على دكان اللجنة الشعبية الفلسطينية يدفع نسبة 5% من راتبه الشهري . لكن ما تبدى له لاحقا أن ما كان يدفعه كان باتجاه واحد يؤدي إلى جيوب أولئك من شبابي النار في الشعب الفلسطيني الباحثين بين خراب الوطن عن المصلحة الذاتية وتحقيق الربح المالي . استبعد أبو فلان هذا الحل المؤقت لأنه لا يريد أن يدس يده في عش الدبابير فهو ليس من القطط السمان ولا يحمل بطاقة مقاتل أو مناضل أو مرتزق أو لص لكنه من العامة المسموح لها بالجأر بشكوى الجوع حتى تصله رصاصة شكر طائشة . والفاعل حسابه عند ربه يوم القيامة !
أينما حل أبو فلان حمل معه الهموم والتي تزيد حرارتها عند فترة الظهيرة حين يذهب ليحضر ابنته من المدرسة إلى البيت حيث تكون حركة السير الخانقة في أوجها ومثل مرض السكر المفاجيء جاءته عند تقاطع الطريق الواقع أمام بيته صدمة سيارة أبو علان على الجانب الأيمن للرفرف الأمامي لسيارته . لم يزعج نفسه بالتأفف والتذمر بل حوقل وترجل من السيارة وسلم على أبو علان منتظرا قدوم شرطي المرور . بادر أبو علان شرطي المرور بقوله :" الأجانب يشترون سيارة قرنبع (قديمة جدا جدا ) ويخبطون فيها سيارة المواطنين ". الرد عليه يمكن أن يجلب لأبي فلان زائرا أخرا إلى جسمه أسمه ارتفاع ضغط الدم لكنه آثر الصمت . أكمل شرطي المرور كتابة تقريره عن الحادث محملا المواطن أبو علان نسبة من المسؤولية تصل إلى 100% وطلب شرطي المرور من أبو فلان أن يقيم أضرار سيارته عند ثلاثة ورش اصلاح لتعويضه من المواطن عما لحق بسيارته من اضرار فأخذ أبو علان يجادل شرطي المرور : " وبعيييد ...." التي معناها قليل من ضجيج المفرقعات النارية التي لا تخيف أحد .
من لدية الرغبة بمعرفة شخصية أبو فلان ليخلع عن وجهه قطع الليل ويطالع جريدته المفضلة أو رصيفاتها ليكتشفه أو ربما تكون رحله شخصية للقاريء في كيفية اكتشاف الذات وزمن الغد فما أقصر العمر أما اللحظة التي نعيشها فطويلة جدا .
23:15 | Permalink | Comments (0)
The comments are closed.