Friday, 03 June 2005
من يصرخ أولا - أسامة الهتيمي
لم يتحمل النظام السياسي في مصر أن تتحرك المعارضة المصرية في إطار المتاح لها في لحظة تاريخية صعبة أكثر من شهرين على أقصى تقدير فبعد أن استشعرت العديد من القوى السياسية أن النظام المصري استيقظ وأدرك حقيقة الموقف الشعبي من تقييمه وان معدلات الرفض وصلت إلى أعلى تقديراتها خلال 24 عاما من حكم مبارك وهو ما سيدفع النظام إلى السماح بتوسيع هامش الحرية في محاولة لامتصاص غضب الشارع وتفريغ طاقات الرفض عن طريق المظاهرات والمؤتمرات والمسيرات السلمية داخل النقابات والجامعات ومقرات الأحزاب والأماكن المغلقة - وهو ماحدث لفترة زمنية قصيرة - ، فؤجئت هذه التيارات بعكس ما كانت تتوقع وتنتظر من النظام الذي خسر في تقديراتها بتصرفاته هذه الشكل الجمالي الذي كان من الممكن أن يتجمل به باعتباره نظام ديمقراطي يتيح حرية الرأي والتعبير ويسمح بوجود منافسة حقيقية وشريفة مع الحزب الحاكم .
لكن النظام أصر على أن يظهر على حقيقته وبصورته الواقعية دون تزييف أو مداراة في وقت أحوج ما يكون فيه إلى هذا التزييف حتى ولو من باب مواجهة الضغوط الأجنبية وخداعا لوسائل الإعلام المسلطة عليه في هذا الظرف التاريخي .
غير أن إصراره هذا جاء كتأكيد لدرجة الغباء اللامتناهية التي أصيب بها النظام السياسي لتشكل حلقة جديدة من حلقات التصرفات والسلوكيات السياسية الغبية في سياق الإنهيار الوشيك الذي لاح في الأفق لكل المتابعين لتطور الأوضاع في مصر .
فالوضع في مصر وصل إلى درجة كبيرة من التوتر والاحتدام لم تشهد له مثيلا خلال سنوات طويلة واصبح الأمر خلال الشهور الأخيرة بخلافه منذ عام تقريبا فقد تحطمت الكثير من الأصنام وانتهكت العديد من التابوهات أو ما كان يعد تابوها لا يمس ولا يقترب منه وارتفع سقف المعارضة إلى الدرجة التي أصبح ينتقد فيها رئيس الجمهورية بكل جرأة وصراحة بل أصبح المسئول الأول عن كل انهيار وتراجع في البلاد وهو ما لم يكن موجودا في أي مرحلة من المراحل على جدول المعارضة المصرية التي كان عرفا بينها انتقاد الحكومة ورئيسها وعدم التجاوز إلى رئيس الجمهورية حتى استغل الوزراء ورؤساء الحكومات ذلك العرف فرددوا جميعا أن ما يقومون به ما هو إلا بناء على توجيهات السيد الرئيس بل وصل الأمر بأحدهم إلى أن يعتبر نفسه سكرتيرا عند رئيس الجمهورية .. ولم يقتصر الامر عند هذا بل تطور وامتد للدرجة التي تعالت فيها الأصوات لأول مرة في تاريخ وزراء ورؤساء الحكومات ذلك العرف فرددوا جميعا أن ما يقومون به ما هو إلا بناء على توجيهات السيد الرئيس بل وصل الأمر بأحدهم إلى أن يعتبر نفسه سكرتيرا عند رئيس الجمهورية .. ولم يقتصر الامر عند هذا بل تطور وامتد للدرجة التي تعالت فيها الأصوات لأول مرة في تاريخ وزراء ورؤساء الحكومات ذلك العرف فرددوا جميعا أن ما يقومون به ما هو إلا بناء على توجيهات السيد الرئيس بل وصل الأمر بأحدهم إلى أن يعتبر نفسه سكرتيرا عند رئيس الجمهورية .. ولم يقتصر الامر عند هذا بل تطور وامتد للدرجة التي تعالت فيها الأصواتيد ليعرفوا قيمة ما كانوا عليه وأنهم كانوا يحيون عصر الحرية والديمقراطية ذلك العصر الذي لم تغلق فيه صحيفة ولم يصادر خلاله قلم .
وبهذا فستعود المعارضة للبدء في الحلقة من جديد وبدلا من أن تهاجم وتنتقد رئيس الجمهورية وتطالب بتنحيه فستكون أولوياتها هو الحصول على حقها في الوجود واعتبارها ككيان له حق الحياة .
المرحلة القادمة إذن هي مرحلة الموت أو الحياة فالنظام سيشد الحبل إلى أقصى درجة وسيستميت في الدفاع عن نفسه مستخدما كامل أسلحته القمعية والإغوائية والدعائية في الوقوف أمام هذه الحفنة الضالة والمضلة التي استخدمت مناخ الحرية أسوأ استغلال من أجل إثارة البلبلة والفوضى وتعطيل مسيرة التنمية التي وضعت مصر فى المرتبة 120 على قائمة تقارير التنمية البشرية في العالم فجاءت بعد عدة دول أفريقية كانت تحيا في قمة التخلف الاقتصادي والسياسي .
ستشهد مصر إن لم تكن قد بدأت فعلا عمليات اعتقال بالجملة من كافة التيارات والقوى السياسية والمشبوهين الذين لم يشرفوا بأن يكونوا من أصحاب الملفات والتقارير في أجهزة مباحث أمن الدولة .... وستلفق القضايا للعديد من قيادات الحركة الوطنية إن لم يكن بهدف السجن والاحتجاز فليكن من أجل الاستنزاف والإشغال ...ستعقد الصفقات وتعرض المنح والعطايا من أجل شراء الزمم والضمائر وحبك عمليات التأمر والتخريب داخل التيارات والقوى السياسية الصامدة .... لن يذق رجالات النظام النوم خلال المرحلة القادمة حتى يحققوا مآربهم ويطمئنوا إلى عودة الأمور إلى نصابها .. فهل تستسلم المعارضة ؟ وهل يمكن أن تفرط فيما حققته عبر تضحياتها ؟ فطارق غنام لن يكون آخر شهداء الديقراطية كما يحلو للبعض أن يسميه بل هو البداية فهل سيكون عند هذه المعارضة القدرة على الاستمرا في مسيرة تقديم التضحيات حتى تحقق هدفها وينعم المصريون بحياة الحرية ؟.
في تقديري أن شرارة الاحتراق الأولى انطلقت ولم يعد هناك من يستطيع منع حدوث فعل التغيير وهذا ما لم يدركه النظام ويتعامل معه بغباءه الذي أشرنا إليه آنفا ... فقط المزيد من الصبر والعمل الذين سيكونان الفيصل الرئيسي في أن يصرخ أحد الطرفين قبل الآخر .
تناقض غبي
حقيقة ثبت أن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أضعف حزب سياسي في مصر على الرغم من كل الإمكانيات والمقدرات المالية والمادية والبشرية التي تتيح له أن يكون أكبر حزب عربي عدة وعتادا ... فقد خرجت عناصر الحزب أو الذين من المفترض أن يكونوا عناصره لتشارك خلال الأسابيع الماضية في مسيرات تأييد ودعم لإعادة انتخاب مبارك لولاية خامسة حيث سعت للتواجد في نفس الأماكن التي تتجمع فيها قوى المعارضة لتضرب عصفورين بحجر واحد أولهما التضييق على المعارضة وتضييع فرصة الاحتكاك بالجماهير وثانيها الظهور وكأن آلاف المصريين خرجوا يعلنون دعمهم للرئيس مبارك ضد الحركات المناوئة لإعادة انتخابه ... فكان ما قام به الحزب سوءة جديدة تضاف إلى سجل السواءات التي لطخت العمل السياسي في مصر فلم تكن تلك العناصر المختارة أو المكلفة بالمهمة إما نظير أجر يومي كشفت عنه الكثير من المصادر الصحفية أو نظير وعود وظيفية مرتبطة بالعاملين في الشركات والمصانع التي جاءوا عبر سياراتها الخاصة أو حتى وعود للكثير من الشباب الغلابة لم تكن هذه العناصر على قدر من الفهم والوعي السياسي الذي يؤهلها للتعامل مع الموقف دون افتضاح أمرها فردد هؤلاء من الهتافات التي تسئ للنظام أكثر مما تفيده والتي ربما يخجل النظام ذاته منها عند سماعه لها .. وحاول بعض هؤلاء الاشتباك والاحتكاك بالمعارضة ما أعطى انطباعا سيئا أمام وكالات الأنباء والفضائيات العربية عن هذه العناصر حتى أن البعض اعتبر هؤلاء من البلطجية والفتوات والعاطلين المستأجرين نظير مقابل مادي .
وزاد الطين بلة بأن قام هؤلاء المدافعين عن مبارك ونظامه باتهام قوى وحركات المعارضة بالعمالة وتلقي التمويل الخارجي من أمريكا وأوروبا في حين تناسى هؤلاء ما يردده مبارك ذاته ليل نهار عبر وسائل الإعلام الرسمي المختلفة عن عمق علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية وصداقته الحميمة مع الرئيس جورج بوش فضلا عن استضافته لرئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون وكأنهم بذلك قد أغشيت عقولهم .
ولا شك في أن هؤلاء برغم كل هذا لم ينطقوا عن هوى وإنما كان ما رددوه معدا سلفا ومتفقا عليه بل أعتقد أنه قد تم التدريب عليه خلال بروفات هزلية سبقت كل عرض وفي ذلك إشارة جديدة على الغباء والتناقض فلو أن هناك من يمكن اتهامه بالعلاقة مع أمريكا وتلقي الدعم من الخارج فليس أكثر من النظام ذاته الذي يتشدق بمتانة علاقته بأمريكا .
لذلك فقد أثبت الحزب خلال هذه التجربة أنه حزب هش وضعيف .. ربما يضم عدد كبير بعضوية الاستمارة وتولي المناصب والمواقع السياسية والوظيفية لكنهم الأعضاء الذين ليس لديهم استعدادا للمارسة السياسية من منطلق الإيمان بما يطرحه الحزب فالأمر لا يعدو مجرد تحقيق المنفعة والمصلحة الشخصية .
إن كل مصري يمكن له أن يتوجه بالسؤال إلى أحد قيادات الحزب الوطني أو كوادره النشطة عن برنامج الحزب وأفكاره الرئيسية ليتأكد بعدها أنه لا برنامج ولا أفكار والأمر برمته يعود إلى خيارات النظام الذي يتحرك وفق رؤيته الخاصة دون حتى استطلاع آراء أعضاء وقواعد الحزب الحاكم .
وما وصل إليه الحزب الوطني من تدني هو جزء من خطة النظام في إضعاف الحياة السياسية في مصر التى تتحقق بتهميش دور الأحزاب ومنها الحزب الوطني الذي يمكن أن يشكل بفاعلياته حتى لو اتفقت مع ما يطرحه النظام إلى تفعيل الحياة السياسية وهو مكمن الخطورة ... فكان الإضعاف الذي أول من تضرر منه هو النظام نفسه الذي عندما احتاج إلى دعم الملايين من أعضاء الحزب اكتشف أنه لا حزب ولا يحزنون وأن الأمر برمته مجرد أسماء على ورق .
أيمن نور
أصاب بنوبة شديدة من الضحك تعقبها نوبة من الضيق والضجر عندما أجد بعضا من الناس السذج يتحدثون عن المعركة الطاحنة بين النظام والدكتور أيمن نور ثم ينسحبون لتفسير ذلك بأن نور ينافس مبارك وأن النظام يخشى من تفوق نور ... وكنت وما زلت أؤقن - مع احترامي للدكتور أيمن برغم الاختلاف معه - أن النظام ذاته ساهم وبقدر كبير في تلميع الدكتور أيمن وجعله أسطورة تصور للناس إمكانية منافسته وتفوقه على الرئيس مبارك في المعركة الانتخابية على الرئاسة ولولا ذلك الدعم الأمريكي المفاجئ لنور لاستمر النظام نفسه في سياسة التلميع هذه حتى يصنع بطلا من ورق يمكن الانتصار عليه وهزيمته وفي ذات الوقت يتم تصوير الأمر وكان النظام قبل المنافسة الشريفة على موقع رئيس الجمهورية .
إن النظام لو رغب في في عدم السماح بخروج حزب الغد برئاسة نور منذ البدء لفعل ولن يزيد الأمر عن كونه رفض إنشاء حزب سياسي من بين ما يقرب من سبعين حزب تم رفضهم من قبل ... لكن النظام - مع علمه الكامل بقدرات الحزب ورجالاته وإمكانياته المادية - وافق على تأسيس الحزب وبعدها بشهور قليلة حدثت الأزمة بين النظام وحزب الغد التي احتجز نور على أثرها على ذمة اتهامه بالتزوير وهي التهمة التي يتوقع خبراء القانون سقوطها ... ليس من المنطقي إذا الحسم في تحليل ظاهرة أيمن نور لكن من غير المنطقي اعتبار أن ما حدث هو ما يصوره نور نفسه فالدكتور ايمن والنظام يدركان جيدا حجم الدعم الشعبي وقبول الشارع المصري لنور أو لبرنامج حزبه وهو ما يؤكد بحسم عدم امتلاك الرجل لما يمكن أن يكون تهديدا للنظام أو حتى إمكانية تشكيل ضغط عليه .
لقد تصور نور وحزبه وبعض المخطئين في التحليل أن رد الفعل الحكومي هذا تجاه أنشطته وتحركاته ينبع من قلق حقيقي وتخوف له أسبابه من حزب الغد مما يؤكد لدى هؤلاء أن نور وحزبه يمكن أن يكونا فرس الرهان المقبل عند الأمريكيين أو الاتحاد الأوروبي ...
غير أنه لا يمكن مطلقا تفسير رد الفعل الحكومي أو النظامي القمعي - إن جاز التعبير - إزاء أنشطة الحركات والقوى السياسية بهذا التفسير وإلا لما حاصر النظام نشاط حزب العمل وجمد حركته وأغلق صحيفته طوال خمس سنوات ماضية وما ضيق على التيارات اليسارية ضعيفة العدد والعتاد وما اعتقل ألآلاف من عناصر جماعة الإخوان المسلمين .
النظام يخشى من نفسه ووصل إلى درجة من الرفض العام لأي صوت مخالف فلم يعد يطيق أو يقبل أن ينازعه أحد أو أن يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها وتعارفت عليها الحركات السياسية حتى لو جاء ذلك عبر حزب ساهم هو في صنعه وتقديمه للجماهير.
دعاية مستفزة
وأعجب من هذه المسخرة الحادثة هذه الأيام في التلفزيون المصري .. نعم ربما ليست جديدة لكنها تزايدت هذة الفترةالأخيرة إلى الدجة التي تجعلك في حالة من القرف والرغبة في القيام بكسر التلفاز الذي تشاهده... برامج حوارية ونقاشية كثيرة واستضافات بالجملة للعديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية - من غير المغضوب عليهم طبعا - ليدلوا بأراهم وليعبروا عن مضامين أفكارهم في إطار التأكيد على الحرية والتغيير الذي هلت بوادره ... غير أنك تفاجأ بهذه الشخصيات التي تظهر مستأسدة عبر مقالاتها التي تنشر في صحفها مجرد فئران ضعيفة وذليلة على شاشة التلفاز وكأن المسئول الحكومي أو بوق النظام قد سحر لها فحولها من شخصية كلمنجية إلى رجل متلعثم وخجول غير قادر على الرد على أقل ما يثيره هذا المسئول عبر حوار النفس هذا .
ولعل ذلك السلوك الخبيث كان واحدا من الأدوات التي استخدمها النظام عبر مراحل مختلفة لخداع جماهير البسطاء والرد بها على واحد من ملامح قليلة تشير إلى أن نظامنا السياسي كان يتحلى بقدر من الذكاء في مراحله السابقة .
لكن ذلك السلوك لم يعد قادرا على استمرار خداع الجماهير فالشارع المصري يعرف جيدا ما هي معايير اختيار الشخصيات المستضافة ومن يواجهها وكيف يمكن احاطتها الى الدرجة التي تفقد معها صلاحيتها وقدرتها على الرد ... فضلا عن أن الكثيرين من هؤلاء المحسوبين على المعارضة ما هم إلا جناح ديكوري لاستكمال الشكل يمكن أن يرتضوا بالفتات .
مبارك وأمريكا
ما زال نظام الرئيس مبارك هو الأجدر على أن يكون عونا للإدارة الأمريكية في إدارة أزماتها المستفلحة في منطقة الشرق الأوسط والتعامل مع أخطر الملفات في العالم ومنها القضيتين الفلسطينية والعراقية ... وهذا ما يدركه الجميع أمريكا وغيرها وما زيارة عمر سليمان وجمال مبارك ومن بعدهما رئيس الحكومة أحمد نظيف إلا من باب التذكير بالشئ الذي لا يعتقد أبدا أن البيت الأبيض غفل عنه للحظة واحدة .
غير أن الإدارة الأمريكية تنظر للقضية بنظرتين الأولى أن النظام المصري في عهد مبارك قدم خدمات جليلة لا يمكن مناقشتها ومازال قادرا على العطاء في هذا الاتجاه أو على أقل تقدير فإنه لا يتوقع أن يخرج عن الإطار المرسوم من قبل الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة وإن كاالإدارة الأمريكية تنظر للقضية بنظرتين الأولى أن النظام المصري في عهد مبارك قدم خدمات جليلة لا يمكن مناقشتها ومازال قادرا على العطاء في هذا الاتجاه أو على أقل تقدير فإنه لا يتوقع أن يخرج عن الإطار المرسوم من قبل الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة وإن كاالإدارة الأمريكية تنظر للقضية بنظرتين الأولى أن النظام المصري في عهد مبارك قدم خدمات جليلة لا يمكن مناقشتها ومازال قادرا على العطاء في هذا الاتجاه أو على أقل تقدير فإنه لا يتوقع أن يخرج عن الإطار المرسوم من قبل الإدارة الأمريكية خلال المرحلة القادمة المتحدة وهو ما رسخ الكراهية والرفض لأمريكا فضلا عن النظام .. وهذا ما يدفع البيت الأبيض إلى السعي لإحداث انفراجة ديمقراطية في مصر تسمح للمصريين باختيار حكامهم وتحديد آليات العمل السياسي في الوقت الذي يجب أن يتحرك فيه الأمريكان لضمان أن البديل لن يكون معاديا للمشروعات الأمريكية التي تستهدف الحفاظ على أمن إسرائيل ... ولعل ذلك هو ما يفسر دوافع الضغوط التي يمارسها الأمريكان على مصر في الشهور الأخيرة من أجل الدفع بعجلة الديمقراطية والسماح بأن يدلي عدد من متخذي القرار بتصريحات في هذا الاتجاه في حين لم يعلن الأمريكيون صراحة عن رغبتهم في تنحي نظام مبارك ... فمبارك ليس مرفوضا لشخصه وحبذا لو جاءت به الانتخابات الرئاسية .
المعارضة وأمريكا
لقد انتهزت أغلب الأحزاب السياسية العلاقة الوطيدة بين نظام مبارك وأمريكا كواحدة من أهم نقاط الاختلاف مع الرئيس مبارك باعتبار أن هذه العلاقة تأتي في عكس مصلحة الأمة وأن دور مصر المحوري تم تسخيره من أجل تحقيق المخططات الأمريكية الهادفة إلى السيطرة والهيمنة على مقدرات المنطقة العربية والإسلامية حيث كان يمكن أن تقوم مصر بدور مؤثر في مقاومة هذا المخطط بل والعمل على إفشاله وهو ما لم يلتفت إليه النظام المصري بل أصر على أن تدوم علاقته مع الأمريكان لاعتبارات موازين القوى والرغبة في تحقيق الاستقرار من منطلقات الأنانية السياسية التي أصبحت فلسفة المجتمع الحديث .
وهو ما وتر العلاقة بين أمريكا والمعارضة ليس في مصر فحسب بل في أغلب الدول العربية وأصبحت علاقة مصر بأمريكا واحدة من أهم النقاط المطروحة لدى برامج هذه الأحزاب كما أصبحت محورا هاما للنقاش والحوار على الموائد المستديرة وصالونات الثقافة .
غير أنه لا يمكن القول بأن معدل العداء والكراهية لأمريكا ظل على درجته بعد التوتر الحادث بين إدارة بوش ونظام مبارك فقد استطاعت واشنطن أن تستقطب عددا ربما ما زال محدودا حتى الآن من النخبة والجماهير في الاتجاه العكسي للكراهية والاعتقاد برغبة أمريكا الحقيقية في تحقيق الديمقراطية وهي الخطوة الأولى التي يتبعها اعتبار أمريكا المخلص المنتظر .
وعلى الطرف الآخر فإن المعادين لأمريكا والرافضين لها بل المرتفعة أصواتهم بالهتاف ضدها تلتفت أنظارهم بين الحين والآخر إلى أمريكا تراقب تطور العلاقة بين أمريكا والنظام ومدى جدية أمريكا في طرحها حول تحقيق الديمقراطية في الوقت الذي تعلو فيه أصواتهم بضروة إحداث التغيير من قلب المصريين وبإرادتهم دون الاستقواء أو الاستعانة بالخارج ... وهو ما يفسر اهتمام هؤلاء برضا أمريكا أو عدمه على النظام المصري .
وبالطبع لا يشكك هذا السلوك في حسن نوايا هؤلاء وجديتهم بل وتضحيتهم من أجل تحقيق مجتمع أفضل ديمقراطيا لكنه يفسر استمرا ر الدور الأمريكي اللاعب بقوة في قلب الأحداث وأن الرهان عليها ما زال مطروحا في لعبة الشد والجذب بين المعارضة والنظام .
من ينتصر
ليس سوى أحد احتمالين يمكن أن نتوقعهما خلال المرحلة القادمة الأول منهما هو أن تتصاعد حركة الشارع التي بدأت مع مطلع العام الحالي حتى تصل إلى تحقيق هدفها من إحداث التغيير أو استكمال عمليات الإصلاح السياسي التي تضمن تدوال السلطة وانتقالها بشكل سلمي وهو ما ينهي حالة الاحتقان الشديدة التي وصلت إليها البلاد ويكفيها شر حدوث انفجار بات يتوقعه الجميع من غير أتباع النظام الذين لا يريدون أن يروا .
والاحتمال الثاني أن يشدد النظام من قبضتة فوق ممارساته الغير قانوية أو الدستورية فيوسع من الاعتقالات ويمنع المظاهرات ويحد من التجمعات حتى يستتب له الوضع ويحقق السيناريو الذي تم إعداده سلفا سواء كان التمديد أو التوريث .. وهذا بالطبع سيكون تحت سمع وبصر الأمريكيين .. كما سيعني ذلك حدوث ارتداد ديمقراطي بعد أن بدأت اللحظة وارتفع سقف المعارضة كما أشرنا سلفا إلى حد غير مسبوق في الممارسة المصرية .
ثلاثة أو أربعة شهور صعبة ستمر بها مصر بمرحلة عصيبة ودقيقة ... فالكل يضع يده على قلبه تساوى في ذلك النظام أو المعارضة أو الأغلبية الصامتة من المصريين الذين ما زالوا في طور الصمت لم تتحرك جموعهم لا بالسلب ولا بالإيجاب ...
اللهم أحمي مصر واكفها شر البلاء
23:35 | Permalink | Comments (0)
The comments are closed.